للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالت طائفة أخرى: ليس كذلك، بل الشوق يزيد بالوصل واللقاء، ويتضاعف بالدنوّ. ولهذا قال القائل:

وأعظمُ ما يكون الشوقُ يومًا ... إذا دنت الدِّيارُ من الدِّيارِ (١)

ولهذا قال بعضهم: شوق أهل القرب أتمّ من شوق المحجوبين (٢). واحتجَّت هذه الطائفة بأنَّ الشوق من آثار الحبّ ولوازمه، وكما (٣) أنَّ الحبَّ لا يزول باللقاءِ، فهكذا الشوق الذي لا يفارقه. قالوا: ولهذا لا يزول الرضا والحمد والإجلال والمهابة التي هي من آثار المحبَّة باللقاء، فهكذا الشوق يتضاعف ولا يزول. والقولان حق.

وفصل الخطاب في المسألة أنَّ المحبَّ إذا اشتاق إلى لقاء محبوبه، فإذا حصل له اللقاءُ زال ذلك الشوق الذي كان متعلِّقًا بلقائه، وخلفه شوق آخر أعظم منه وأبلغ إلى ما يزيد قربَه والحظوةَ عنده. وأمَّا إذا قدر أنه لقيه ثمَّ احتجب عنه ازداد شوقه إلى لقاءٍ آخر، ولا يزال يحصل له الشوق كلَّما حُجب (٤) عنه، فهذا لا ينقطع شوقه أبدًا، فهو إذا رآه بلّ شوقَه برؤيته، وإذا زال عنه الطرفُ عاوده الشوق، كما قيل:


(١) من بيتين أنشدهما إسحاق الموصلي (٢٣٥ هـ)، والرواية: "أبرح ما يكون". الأغاني (٢/ ٦٠٥). وقد ذكره المؤلف في روضة المحبين (٢٣٤). وذكره أيضًا فيه وفي مدارج السالكين (٢/ ٧٤) و (٣/ ١٦) باختلاف الشطر الثاني، وهو: "إذا دنت الخيام من الخيام". وكذا في القشيرية (٣٣٢).
(٢) "ط": "المحبوبين"، تحريف.
(٣) "ك، ط": "فكما".
(٤) "ك، ط": "احتجب".