للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصابع الرحمن عزَّ وجلَّ، فإن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاءَ أن يُزيغه أزاغه، كما ثبت عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (١). وكانت أكثر يمينه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا ومقلِّب القلوب، لا ومقلِّب القلوب" (٢). وقال بعض السلف: "القلبُ أشدّ تقلُّبًا من القِدْر إذا استجمعتْ غلَيانًا" (٣). وقال بعضهم: "مثل القلب في سرعة تقلّبه كريشةٍ مُلقاةٍ بأرض فلاة تقلبها الرياحُ ظهرًا لبطن" (٤). ويكفي في هذا قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال/ ٢٤].

فأيّ قرار لمن هذه حاله؟ ومن أحقّ بالخوف منه؟ بل خوفه لازم له في كلِّ حال، وإن توارى عنه بغلبة حالةٍ أخرى عليه. فالخوف حشو قلبه، لكن توارى عنه بغلبة (٥) غيره، فوجود الشيء غير العلم به.

فالخوف الأوَّل ثمرة العلم بالوعد والوعيد، وهذا الخوف ثمرة العلم بقدرة اللَّه وعزَّته وجلاله، وأنَّه الفعَّال لما يريد، وأنَّه المحرّك للقلب، المصرِّف له، المقلب له كيف يشاء، لا إله إلا هو.

الوجه الثاني: قوله: "ليس في منازل الخواصّ خوف" قد تبيّن


(١) تقدّم تخريجه في ص (١٧).
(٢) تقدّم تخريجه في ص (١٣٧).
(٣) حديث مرفوع أخرجه أحمد (٢٣٨١٦)، والطبراني في الكبير (٥٩٩)، والحاكم (٢/ ٢٨٩) من طريقين عن المقداد بن الأسود أحدهما منقطع، والآخر لا بأس به. قال الحاكم: "هذا حديث على شرط البخاري ولم يخرِّجاه"، وقال الهيثمي: "رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات".
(٤) تقدّم تخريجه في ص (١٣٨).
(٥) "ف": "لغلبة"، خلاف الأصل.