للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيكون قد دفع القدر بالقدر، ونازع الحكم بالحكم. وبهذا أُمِرَ، بل هذا حقيقة الشرع والقدر.

ومن لم يستبصر في هذه المسألة ويعطِها حقَّها لزمَه التعطيلُ للقدر أو الشرع، شاء أم (١) أبى. فما للعبد ينازع أقدارَ الربِّ تعالى بأقداره في حظوظه وأسباب معاشه ومصالحه الدنيوية (٢)، ولا ينازع أقدارَه بأقداره (٣) في حقِّ مولاه وأوامره ودينه؟ وهل هذا إلا خروجٌ عن العبودية ونقصٌ في العلم باللَّه وصفاته وأحكامه؟ ولو أنّ عدوًّا للإسلام قَصَده لكان هذا بقدر اللَّه، ويجب على كل مسلم دفعُ هذا القدَر بقدَرٍ يحبُّه اللَّه -وهو الجهاد باليد أو المال أو القلب- دفعًا لقدر اللَّه بقدره، فما للاستسلام والمسالمة هنا مدخل في العبودية؛ اللّهم إلّا إذا بذل العبدُ جهدَه في المدافعة والمنازعة، وخرج الأمر عن يده، فحينئذ يبقى من أهل الحكم الثالث: وهو الحكم القدري الكوني الذي يجري (٤) على العبد بغير اختياره، ولا طاقَة له بدفعه، ولا حيلة له في منازعته.

فهذا حقُّه أَن يتلقّى بالاستسلام والمسالمة وترك المخاصمة، وأن يكونَ فيه كالميّت بين يدي الغاسل، وكمن انكسر به المركبُ في لُجّة البحر، وعجَز عن السباحة، وعن سببٍ يدنيه من النجاة؛ فههنا يحسن الاستسلام والمسالمة. مع أنَّ عليه في هذا الحكم عبودياتٍ أخَر سوى


(١) "ن، ك، ط": "أو".
(٢) "ك": "أسباب مصالحه ومعايشه الدنيوية".
(٣) "بأقداره" ساقط من "ك، ط".
(٤) "ك": "جرى".