للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل الدرجة الثانية من درجات الفنى باللَّه عزَّ وجلَّ: دوامُ شهودِ أوَّليته تعالى

وهذا الشهود عند أرباب السلوك أعلى ممَّا قبله، والغنى به أتمّ من الغنى المذكور؛ لأنَّه من مبادئ الغنى بالحقيقة؛ لأنَّ العبد إذا فتح اللَّه لقلبه (١) شهود أوليته سبحانه حيث كان ولا شيء غيره، وهو الإله الحقّ الكامل في أسمائه وصفاته، الغنيّ بذاته عمَّا سواه، الحميد المجيد (٢) بذاته قبل أن يخلق مَن يحمده ويعبده ويمجّده، فهو معبود محمود حيّ قيّوم، له الملك وله الحمد في الأزل والأبد، لم يزل ولا يزال موصوفًا بصفات الجلال، منعوتًا بنعوت الكمال، وكل شيء سواه فإنَّما كان به؛ وهو تعالى بنفسه ليس بغيره، فهو القيوم الذي قيامُ (٣) كلِّ شيءٍ به، ولا حاجةَ به في قيومته إلى غيره بوجه من الوجوه = فإذا شهد العبدُ سبقَه تعالى بالأوَّلية (٤) ودوام وجوده الحقّ، وغاب بهذا عمَّا سواه من المحدَثات؛ فني في وجوده من لم يكن، كأنَّه لم يكن (٥)، وبقي من لم يزل. واضمحلَّت الممكنات في وجوده الأزليّ الدائم، بحيث صارت كالظلال التي (٦) يبسطُها ويمدُّها ويقبِضُها، فيستغني العبدُ بهذا


(١) "ف": "له"، خلاف الأصل.
(٢) "المجيد" ساقط من "ك، ط".
(٣) "ف": "أقام" خلافًا للأصل.
(٤) في الأصل: "الأولوية" سهو، وكذا في "ف".
(٥) "كأنَّهُ لم يكن" ساقط من "ط".
(٦) في الأصل و"ف": "الذي"، وفي حاشيتيهما علامة "ظ" أي انظر. ولعلَّه سبق قلم. وكذا في "ن، ك"، والمثبت من "ط".