للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأكثر الزاهدين إنَّما وصلوا إليه ولم يلِجوه (١)، فإنَّ الزاهد يسهِّل عليه الزهدَ في الحرام سوءُ (٢) مغبّته وقبحُ ثمرته، وحمايةً لدينه، وصيانةً لإيمانه، وإيثارًا للّذة والنعيم على العذاب، وأنفةً من مشاركة الفساق والفجرة، وحميّةٌ من أن يستأسرَ (٣) لعدوّه. ويسهِّل عليه الزهدَ في المكروهاتِ وفضولِ المباحات علمُه بما يفوته بإيثارها من اللذة والسرور الدائم والنعيم المقيم. ويسهّل عليه زهدَه في الدنيا معرفتُه بما وراءها وما يطلبه من العوض التامّ والمطلب الأعلى. وأمَّا الزهد في النفس فهو ذبحها بغير سكَين، وهو نوعان:

أحدهما وسيلة وبداية. وهو أن تميتَها، فلا تُبقيَ لها عندك من القدر شيئًا (٤)، فلا تغضب لها، ولا ترضى لها، ولا تنتصر لها، ولا تنتقم لها. قد سبَّلتَ (٥) عِرضَها ليوم فقرها وفاقتها، فهي أهوَنُ عليك من أن تنتصر لها، أو تنتقم لها، أو تجيبَها إذا دعتك، أو تكرمَها إذا عصتك، أو تغضبَ لها إذا ذُمَّتْ، بل هي عندك أنجسُ (٦) ممَّا قيلَ فيها، أو ترفّهها


(١) "ف": "ولم يلحقوه"، تحريف.
(٢) كذا في الأصلِ، وقد ضُبطَ فيه الفعل "يسهّل" بالتشديد، وهو موافق لصياغة الجملتين التاليتين. ولكن المشكل "إيثارًا" الذي وقع في آخر السطر في الأصل، و"للذة، في أول السطر التالي، فضبط ناسخ "ف": "حماية" بالنصب ليكون ما بعدها معطوفًا عليه، ولعلّ المؤلف نصب "حماية" وما بعده على التوهم ناظرًا إلى المعنى. وفي "ب، ط": "لسوء مغبته وقبح ثمرته وحمايةً"، ولا إشكال فيه.
(٣) استأسر له: استسلم لأسره.
(٤) "ط": "فلا يبقى. . . شيء".
(٥) سئل الشيء: أباحه وجعله في سبيل اللَّه.
(٦) كان النقطة في الأصل فوق الخاء، ووضع ناسخ "ف" تحت الحاء علامة الإهمال وكذا في "ب". فقراءتهما: "أنحس". وفي "ك، ط": "أخسّ"، ولعلّه =