للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: علمُه أنَّ وراءها دارًا أعظمَ منها قدرًا وأجلّ خطرًا، وهي دار البقاء؛ وأنَّ نسبتها إليها كما قال النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يُدخِل (١) أحدُكم إصبعَه في اليمّ، فلينظر بمَ ترجع؟ " (٢). فالزاهد فيها بمنزلة رجل في يده درهم زغَل قيل له: اطرحه ولك (٣) عوضه مائة ألف دينار مثلًا، فألقاه من يده رجاءَ ذلك العوض، فالزاهد فيها لكمال رغبته فيما هو أعظم منها زَهِد فيها (٤).

الثالث: معرفته أنَّ زهدَه فيها لا يمنعه شيئًا كُتِبَ له منها، وأنَّ حرصه عليها لا يجلُب له ما لم يُقضَ له منها. فمتى تيقّن ذلك، وصار له (٥) علم اليقين، هان عليه الزهد فيها. فإنّه متى تيقَّن ذلك، وثلَج له صدرُه، وعلم أنَّ مضمونه منها (٦) سيأتيه، بقي حرصه وتعبه وكدّه ضائعًا؛ والعاقل لا يرضى لنفسه بذلك.

فهذه الأمور الثلاثة تُسهّل على العبد الزهدَ فيها، وتُثبّت قدمَه في مقامه. واللَّه الموفّق لمن يشاء.

النوع الثاني (٧): الزهد في نفسك، وهو أصعب الأقسام وأشقّها،


(١) "ك، ط": "يجعل".
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها (٢٨٥٨) من حديث المستورد بن شداد رضي اللَّه عنه.
(٣) "ب، ك، ط": "فلك". والمثبت من "ف". وهو أقرب إلى الأصل.
(٤) "ط": "فالزهد فيها لكمال الرغبة. . زهد فيها"!
(٥) زاد في "ط" بعد "له ": "به".
(٦) "ف": "فيها"، خطأ.
(٧) من زهد المشمّرين في السير إلى اللَّه. والنوع الأول قد سلف في ص (٥٤٨).