للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وآخر وظاهر وباطن، حتَّى الخطرة واللحظة والنفس، وأدنى من ذلك وأكبر (١). فأوَّلية اللَّه عزَّ وجلَّ سابقةٌ على أولية كلِّ ما سواه، وآخريته ثابتةٌ بعد آخريةِ كلِّ ما سواه. فأوليته سبقُه لكل شيء، وآخريته بقاؤه بعد كلِّ شيء. وظاهريتُه سبحانه فوقيته وعلوُّه على كل شيء، ومعنى الظهور يقتضي العلو، وظاهر الشيء هو ما علا منه وأحاط بباطنه. وبطونُه سبحانه إحاطته بكلِّ شيء، وبحيث يكون أقرب إليه من نفسه، وهذا قرب غير قرب المحب من حبيبه. هذا لون، وهذا لون.

فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة، وهي إحاطتان: زمانية ومكانية، فأحاطت (٢) أوليتُه وآخريتُه بالقبل والبعد، فكلُّ سابق انتهى إلى أوليته، وكلُّ آخر انتهى إلى آخريته؛ فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر. وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكلِّ ظاهر وباطن، فما من ظاهر إلا اللَّه فوقه، وما من باطن إلا واللَّه دونه، وما من أوَّل إلا واللَّه (٣) قبله، وما من آخر إلا واللَّه بعده: فالأوَّل قِدَمه، والآخِر دوامه وبقاؤه، والظاهر علوه وعظمته، والباطن قربه ودنوه.

فسبق كلَّ شيء بأوليته، وبقي بعد كل شيء بآخريته، وعلا على كلِّ شيء بظهوره، ودنا من كلِّ شيء ببطونه. فلا تواري منه سماءٌ سماءً ولا أرضٌ أرضًا، ولا يحجب عنه ظاهرٌ باطنًا، بل الباطن له ظاهر، والغيب عنده شهادة، والبعيد منه قريب، والسرُّ عنده علانية.

فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد، فهو الأوَّل في


(١) "ن، ك، ط": "أكثر".
(٢) "ك، ط": "فإحاطة"، خطأ.
(٣) "ك": فاللَّه".