للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبالتوكّل عليه عن التوكّل على ما سواه؛ ليس أن تفنى بحظك منه عن مراده منك. وهذا موضع يشتبه علمًا وحالًا وذوقًا إلا على من فتح اللَّه عليه بفرقانٍ (١) بين هذا وهذا.

الوجه الثالث: أنَّ الإرادة إنَّما تكون ناقصةً بحسب نقصان المراد، فإذا كان مرادها أشرف المراد (٢) فإرادته أشرف الإرادات. ثمَّ إذا كانت الوسيلة إليه أجل الوسائل، وأنفعها، وأكملها، فإرادتها كذلك. فلا تخرج إرادته عن إرادةِ أشرف الغايات، وإرادةِ أقرب الوسائل إليه وأنفعها. فأي علَّة في هذه الإرادة (٣)؟ وأي شيء فوقها للخواصّ؟

الوجه الرابع: أنَّ نقصان الشيء يكون من وجهين: أحدهما: أن يوجب ضررًا. والثاني: أن تكون له ثمرة نافعة لكن يشغل عمَّا هو أكمل منه. وكلاهما منتفٍ عن الإرادة، فكيف تكون ناقصة معلولة؟

فإنْ قيل: لمَّا كان الوقوف معها رجوعًا إلى النفس وتفرّقًا ووقوفًا مع حظّ المريد كانت ناقصة، قيل: هذا منشا الغلط.

وجوابه بالوجه الخامس: وهو أن يقال: قوله "إنَّ الإرادة تفرّق". فإنْ أردتم بالتفرّق شهود المريد لإرادته ومراده (٤) ولعبوديته ولمعبوده ولمحبّته ومحبوبه (٥)، فلم قلتم إنَّ هذا التفرّق نقص؟ وهل هذا إلا عين الكمال؟ وهل تتمّ العبودية إلا بهذا؟ فإنَّ من شهد عبوديته وغاب بها عن


(١) في "ب": "أن يفرِّق" وفي حاشيتها: "خ بالفرقان".
(٢) "ط": "المرادات".
(٣) "ب": "الإرادات"، خطأ.
(٤) "ك، ط": "لمراده".
(٥) "ك، ط": "لمحبوبه".