للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير الدرجة الثالثة من الفقر]

قوله: "والدرجة الثالثة صحةُ الاضطرار، والوقوعُ في يدِ التقطع الوحداني، والاحتباسُ في قيد (١) التجريد، وهذا فقر الصوفية".

هذه (٢) الدرجة فوق الدرجتين السابقتين عند أرباب السلوك، وهي الغاية التي شمَّروا إليها وحاموا حولها. فإنَّ الفقر الأوَّل فقرٌ عن الأعراض الدنياوية (٣)، والفقر الثاني فقرٌ عن رؤية المقامات والأحوال، وهذا الفقر الثالث فقرٌ عن ملاحظة الوجود (٤) الساتر للعبد عن مشاهدة الموجود (٥)، فيبقى الوجودُ الحادثُ (٦) في قبضة الحق عزَّ وجلَّ كالهباء المنثور في الهواءِ، يتقلَّب بتقليبه إيَّاهُ، ويصير (٧) في شاهد العبد كما هو في الخارج. فتمحو رؤيةُ التوحيد عن العبد شواهدَ استبدادِه واستقلاله بأمر من الأمور، ولو في النفس واللمحة والطرفة والهمة والخاطر والوسوسة، إلا بإرادة المريد الحق سبحانه وتدبيره وتقديره ومشيئته. فيبقى العبد كالكرة الملقاة بين صَولَجَانات القضاء والقدر، تُقلِّبها كيف


(١) "ط": "في بيداء قيد". والظاهر أن كلمة "بيداء" زيادة الناشر من مدارج السالكين. ولكن نسخة منازل السائرين التي ينقل المؤلف منها في هذا الكتاب تختلف عن نسخته التي كانت بين يديه عند تأليف المدارج.
(٢) "ك": "وهذه".
(٣) "ط": "الدنيوية".
(٤) "ك، ط": "الموجود".
(٥) كذا قرأت الأصل، وفي "ف" وغيرها: "الوجود".
(٦) رسم الكلمة في الأصل غير واضح، وكتب في حاشيته: "ظ"، وكتب ناسخ "ف" في الحاشية: "كذا". وفي "ن": "الحالي"، وفي حاشيتها: "كذا".
(٧) "ط": "يسير" تحريف.