للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاحتجاج بالقدر، والنصوص الواردة في إثباته]

فإن أصررتَ (١) على اتهام القدر، وقلتَ: فالسببُ الذي أُصِبتُ به (٢)، وأُتيتُ منه، ودُهيتُ منه، قد سبقَ به القدرُ والحكمُ، وكان في الكتاب مسطورًا، فلا بُد منه على الرغم منِّي. وكيف لي أن أنفكَّ منه، وقد أُودع الكتابَ الأوَّل قبل بدءِ الخليقة، والكتابَ الثاني قبل خروجي إلى هذا العالم، وأنا في ظلمات الأحشاءِ، حين أُمر الملَكُ بكَتْب الرزق والأجل والسعادة والشقاوة؛ فلو جريتُ إلى سعادتي ما جريتُ حتَّى بقيَ بيني وبينها شِبْرٌ لغلَب عليَّ الكتابُ، فأدركتني الشقاوة. فما حيلةُ من قلبُه بيدِ غيرِه، يقفبه كيف يشاءُ، ويصرّفه كيف أراد؛ إن شاءَ أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يُزيغه أزاغه. فهو (٣) الذي يحول بين المرءِ وقلبه، وهو الذي يثبِّت قلبَ العبد إذا شاءَ، ويُزلزله إذا شاء، فالقلب مربوب مقهور تحت سلطانه لا يتحرك إلا بإذنه ومشيئته.

قال أعلمُ الخلق بربِّه صلوات اللَّه وسلامه عليه: "ما من قلب إلا وهو بين إصبَعين من أصابع الرحمن، إن شاءَ أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه"، ثمَ قال: "اللَّهم مقلِّبَ القلوب ثبِّت قلوبَنا على دينك" (٤) وكانت (٥) أكثر يمينه: "لا، ومقلِّبِ القلوب" (٦).


(١) سيأتي جواب هذا الشرط، والرد على الاحتجاج بالقدر في ص (١٧٧).
(٢) "ط": "منه".
(٣) هذه قراءة "ن". وفي "ف" وغيرها: "وهو".
(٤) تقدم تخريجه في ص (١٧).
(٥) "ك، ط": "كان".
(٦) أخرجه البخاري في كتاب القدر (٦٦١٧) من حديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما.