للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن نزَّل هذه الآيات على هذا الحكم علمًا ومعرفةً، وقام بموجبها إرادةً وعزمًا وتوبةً واستغفارًا، فقد أدَّى عبودية اللَّه في هذا الحكم، وهذا قدر زائد على مجرَّد التسليم والمسالمة. واللَّه المستعان، وعليه التكلان، ولا حولَ ولا قوَّة إلا باللَّه.

فصل [في تفسير الدرجة الثانية وهي: غنى النفس]

قوله في غنى النفس إنَّه: "استقامتها على المرغوب، وسلامتها من المسخوط (١)، وبراءتها من المراياة (٢) ":

يريد به (٣) استقامتها على الأمر الديني الذي يحبه اللَّه ويرضاه، وتجنُّبَها لمناهيه التي يسخطها ويُبغضها، وأن تكون هذه الاستقامة على الفعل والترك تعظيمًا للَّه وأمره، وإيمانا به، واحتسابًا لثوابه، وخشية من عقابه (٤)؛ لا طلبًا لتعظيم المخلوقين له ومدحهم، وهربًا من ذمهم وازدرائهم، وطلبًا للجاه والمنزلة عندهم. فإنَّ هذا دليل على غاية الفقر من اللَّه، والبعد منه (٥)، وأنَّه أفقر شيء إلى المخلوق.

فسلامةُ النفس من ذلك واتصافُها بضده دليلُ غناها؛ لأنَّها إذا أذعنت منقادةً لأمر اللَّه طوعًا واختيارًا ومحبة وإيمانًا واحتسابًا، بحيث تصير


(١) "ط": "الحظوظ"، تغيير من الناشر قد مرَّ التنبيه عليه.
(٢) انظر ما سلف في ص (٦٧).
(٣) "به" ساقط من "ك، ط".
(٤) "ك": "لعقابه".
(٥) "ك": "عنه".