للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قاعدة نافعة [أقسام العباد في سفرهم إلى ربهم]

العبدُ من حين استقرَّت قدمه في هذه الدار فهو مسافر إلى ربِّه، ومدَّة سفره هي عمره الذي كتب له. فالعمر هو مدَّة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربِّه تعالى، ثُمَّ قد جعلت الأيام والليالي مراحل لسفره، فكلُّ يوم وليلة مرحلةٌ من المراحل، فلا يزالُ يطويها مرحلةً بعد مرحلةٍ حتَّى ينتهي السفر.

فالكيّس الفطِن هو الذي يجعل كل مرحلة نصب عينيه، فيهتم بقطعها سالمًا غانمًا، فإذا قطعها جعل الأخرى نصب عينيه. ولا يطول عليه الأمد، فيقسو قلبه، ويمتد أمله، ويحضره (١) التسويفُ والوعد والتأخير والمطل؛ بل يعدّ عمرَه تلك المرحة الواحدة، فيجتهد في قطعها بخير ما بحضرته. فإنَّه إذا تيقن قِصَرَها وسرعة انقضائها هان عليه العمل، وطوَّعت (٢) له نفسه الانقياد إلى التزود؛ فإذا استقبل المرحلة الأخرى من عمره استقبلها كذلك. فلا يزالُ هذا دأبه حتَّى يطوي مراحل عمره كلَّها، فيحمد سعيَه (٣)، ويبتهج بما أعدَّه ليوم فاقته وحاجته. فإذا طلع صبح الآخرة، وانقشع ظلام الدنيا، فحينئذٍ يحمد سُراه، وينجلي (٤) عنه كَراه. فما أحسنَ ما يستقبل يومَه، وقد لاحَ صباحُه، واستبانَ فلاحُه!


(١) "ك، ط": "يحضر بالتسويف".
(٢) "ب، ك، ط": "فطوعت".
(٣) "ب": "تعبه".
(٤) "ب": "ينحل"، تحريف، وفي "ك، ط": "ينجاب".