للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وههنا دقيقة ينبغي التفطّن لها، وهي أنَّ إيثار المحبوب نوعان: إيثار معاوضة ومتاجرة، وإيثار حبّ وإرادة. فالأوَّل يؤثر محبوبَه على غيره طلبًا لحظّه منه. فهو (١) يبذل ما يؤثره به (٢) ليعاوضه بخير منه. والثاني يؤثره إجابةً لداعي محبته. فإنَّ المحبة الصادقة تدعوه دائمًا إلى إيثار محبوبه، فإيثارُه هو أجلّ حظوظه. فحظّه في نفس الإيثار، لا في العوض المطلوب بالإيثار. وهذا لا يفهمه إلا النفس اللطيفة الوادعة (٣) المشرقة. وأمَّا النفس الكثيفة فلا خبر عندها من هذا، وما هو بعُشّها فَلْتَدْرُجْ (٤)!

فصل (٥)

والدين كلّه والمعاملة في الإيثار، فإنَّه تقديم وتخصيص لمن تؤثره بما تؤثره به على نفسك، حتى قيل (٦): إنَّ من شرطه الاحتياج من جهة المؤثر، إذ لو لم يكن محتاجًا إليه لكان بذله سخاءً وكرمًا. وهذا إنَّما يصح في إيثار المخلوق، واللَّه سبحانه يؤثر عبدَه على غيره، من غير احتياج منه سبحانه، فإنَّه الغني الحميد.

وفي الدعاء المرفوع: "اللّهم زِدْنَا ولا تنقصْنا، وأعْطِنا ولا تحرِمْنا،


= وينسبان إلى الشافعي. انظر: ديوان الوراق (١٣٩).
(١) في الأصل: "فهي"، سهو. وكذا في "ف".
(٢) "به" ساقط من "ب، ك، ط".
(٣) أي: الهائة المطمئنة. وفي "ط": "الورعة"، تحريف.
(٤) انظر المثل "ليس هذا بعُشِّكِ فادرُجي" في معجم الأمثال للميداني (٣/ ٩٣).
(٥) كلمة "فصل" ساقطة من "ط".
(٦) "قيل" ساقطة من "ك، ط".