للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

المثال الخامس: الحزن.

قال أبو العبّاس: "وهو من منازل العوامّ. وهو انخلاعٌ عن السرور وملازمةُ الكآبة لتأسُّفٍ عن (١) فائت، أو توجُّع لممتنع، وإنَّما كان من منازل العامَّة (٢) لأنَّ فيه نسيانَ المنّة، والبقاءَ في رِقِّ الطبع. وهو في مسالك الخواصّ حجاب؛ لأنَّ معرفةَ اللَّه جلا نورُها كلَّ ظلمة، وكشف سرورُها كلَّ غُمَّة؛ فبذلك فليفرحوا. وقيل: أوحى اللَّه تعالى إلى داود: بي (٣) فافرَحْ، وبذكري فتلذَّذْ، وبمعرفتي فافتخِرْ. فعمَّا قليل أفرِغُ الدار من الفاسقين، وأنزِلُ نقمتي على الظالمين" (٤).

اعلم أنَّ الحزن من عوارض الطريق، ليس من مقامات الإيمان ولا من منازل السائرين. ولهذا لم يأمر اللَّه به في موضع قطّ، ولا أثنى عليه (٥)، ولا رتَّب عليه جزاءً وثوابًا (٦). بل نهى سبحانه عنه في غير موضع (٧)، كقوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩)} [آل عمران/ ١٣٩]. وقال تعالى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧)} [النحل/ ١٢٧]. وقال تعالى: {فَلَا تَأْسَ عَلَى


(١) كذا في الأصل وغيره. وفي محاسن المجالس: "على".
(٢) "ط": "العوام".
(٣) "ك، ط": "يا داود بي. . . ".
(٤) محاسن المجالس (٨٢).
(٥) "ب": "على أهله".
(٦) "ك، ط": "ولا ثوابًا".
(٧) وانظر: مدارج السالكين (١/ ٥٩٨)، ومجموع الفتاوى (١٠/ ١٦).