للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان كذلك فقد ترجَّح القول الأوَّل بأنَّ الحسنات لمَّا غلبت السيئات ضعف تأثير المغلوب المرجوح، وصار الحكم للغالب دونه، لاستهلاكه في جنبه؛ كما يُستهلك يسيرُ النجاسة في الماءِ الكثير، والماءُ إذا بلغ قُلَّتين لم يحمِل الخَبَث (١). واللَّه أعلم.

الطبقة الثانية عشرة (٢): قومٌ تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فتقابل أثراهما فتقاوما، فمنعتهم حسناتهم المساوية من دخول النَّار، وسيئاتهم المساوية من دخول الجنَّة. فهؤلاء من أهل الأعراف، لم يفضل لأحدهم حسنة يستحقّ بها الرحمة من ربّه، ولم يفضل عليه سيئة يستحقّ بها العذاب.

وقد وصف اللَّه سبحانه أهل هذه الطبقة في سورة الأعراف -بعد أن ذكر دخولَ أهل النارِ النارَ (٣)، وتلاعنَهم فيها، ومخاطبةَ أتباعهم لرؤسائهم، وردَّهم عليهم؛ ثمَّ مناداة أهل الجنَّة أهلَ النار- فقال تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧)} [الأعراف/ ٤٦ - ٤٧].

فقوله تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} أي: بين أهل الجنَّة والنار حجاب. قيل: هو السور الذي ضُرِب (٤) بينهم، له باب باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قِبَله العذاب. باطنه الذي يلي المؤمنين فيه الرحمة، وظاهره الذي


(١) يشير إلى حديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما. أخرجه أبو داود (٦٣)، والترمذي (٦٧).
(٢) في الأصل: "عشر". وكذا في "ف، ك". والمثبت من "ب، ط".
(٣) "النار" ساقط من "ط".
(٤) "ب، ك، ط": "يضرب".