للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفريق (١) الثاني قولَ من نفى ذلك وقال: صدورُ العالَمِ (٢) عنه تعالى صدورًا ذاتيًّا كصدور النور عن الشمس، والحرارة عن النَّار، والتبريد عن الماءِ، ويسمي المتكلمون هذا "الإيجاب الذاتي"، ومصدَره "موجبًا بالذات (٣) "، وهذا قول الفلاسفة المشَّائين. وهو الذي يذكره ابن الخطَيب (٤) وغيره عن الفلاسفة، ولا يحكي عنهم غيرَه، وإنَّما هو قول المشَّائين. وقرَّبه متأخرُهم وفاضلُهم ابن سينا إلى الإسلام بعضَ التقريب، مع مباينته لما جاءَت به الرسل ولِمَا دلَّ عليه صريح العقل والفطرة.

والفريقان متفقون على أنَّ مصدرَ (٥) الكائنات بأسرها خيرٌ محضٌ من جميع الوجوه وكمالٌ صِرْف. ووجود الشرِّ في العالم مشهود، والخير لا يصدر عنه إلا خير، فلا جَرَمَ اختلفت طرقُهم في كيفية دخول الشر في القضاء الإلهي، وتنوعت إلى أربعة طرق (٦).

الطريق الأولى (٧): طريق نفاة التعليل والحكمة والأسباب، فإنَّهم سدُّوا على أنفسهم هذا الباب، وأثبتوا مشيئةً محضةً لا غاية لها ولا سبب ولا حكمة يفعل (٨) لأجلها، ولا يتوقف فعلُ المختار بها على مصلحة


(١) "ك، ط": "وللفريق".
(٢) "ك": "صدور العلم"."ط": "صدر العلم"، تحريف.
(٣) "ك، ط": "موجبات الذات"، تحريف.
(٤) يعني الفخر الرَّازي صاحب التفسير الكبير، المتوفى سنة ٦٥٦ هـ.
(٥) "ف": "ضبط"، تحريف.
(٦) "ب": "أربع طرق".
(٧) "ط": "الأوَّل".
(٨) "ط": "تفعل".