للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أفضل مما بذله. ومن جرَّب هذا عرَفه، ومن لم يجرّبه فَلْيستقرِ أحوال العالم. والموفَّق من وفَّقه اللَّه.

فصل

والإيثار المتعلِّق بالخالق أجل من هذا وأفضل، وهو إيثار رضاه على رضى غيره، وإيثار حبّه على حبّ غيره، وإيثار خوفه ورجائه على خوف غيره ورجائه، وإيثار الذلّ له والخضوع والاستكانة والضراعة والتملّق على بذل ذلك لغيره. وكذلك إيثار الطلب منه (١) والسؤال وإنزال الفاقات به على تعلّق ذلك بغيره.

فالأوَّل آثر بعضَ العبيد على نفسه فيما هو محبوب له، وهذا آثر اللَّهَ على غيره. ونفسُه من أعظم الأغيار، فآثر اللَّه عليها، فترك محبوبَها لمحبوب اللَّه.

وعلامة صحّة (٢) هذا الإيثار شيئان: أحدهما: فعلُ ما يحبّه (٣) اللَّه إذا كانت النفسُ تكرهه وتهرب منه. والثاني (٤): ترك ما يكرهه إذا كانت النفس تحبّه وتهواه. فبهذين الأمرين يصحّ مقام الإيثار.

ومؤنة هذا الإيثار شديدة لغلبة الأغيار وقوة داعي العادة والطبع. فالمحنة فيه عظيمة، والمؤنة فيه شديدة، والنفس عنه ضعيفة، ولا يتمّ


(١) "ف": "له"، خطأ.
(٢) "صحة" ساقط من "ط".
(٣) "ك، ط": "يحب".
(٤) "ب، ك، ط": "الثاني" دون الواو.