للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لخلق اللَّه.

والأخلاق ثلاثة: خلق الإيثار، وهو خلق الفضل. وخلق القسمة والتسوية (١)، وهو خلق العدل. وخلق الاستئثار والاستبداد، وهو خلق الظلم. فصاحب الإيثار محبوب مطاع مهيب. وصاحب العدل لا سبيل للنفوس إلى أذاه والتسلّط عليه، ولكنها لاتنقاد إليه انقيادَها لمن يؤثرها. وصاحب الاستئثار، النفوسُ إلى أذاه والتسلّط عليه أسرعُ من السيل في حَدوره (٢). وهل أزال الممالك وقلَعَها إلا الاستئثار؟ فإنَّ النفوس لا صبر لها عليه. ولهذا أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابه بالسمع والطاعة لولاة الأمر، وإن استأثروا عليهم (٣)؛ لما في طاعة المستأثر من المشقّة والكره (٤).

الثاني: النفرة من أخلاق اللئام، ومقت الشحّ وكراهته له.

الثالث: تعظيم الحقوق التي جعلها اللَّه للمسلمين بعضهم على بعض، فهو يرعاها حقّ رعايتها، ويخاف من تضييعها، ويعلم أنَّه إن لم يبذل فوق العدل لم يمكنه الوقوف مع حدّه، فإنَّ ذلك عسِر جدًّا، بل لا بدّ من مجاوزته إلى الفضل أو التقصير عنه إلى الظلم. فهو لخوفه من تضييع الحقِّ والدخول في الظلم يختار الإيثار بما لا ينقصه ولا يضرّه، ويكتسب به جميل الذكر في الدنيا، وجزيل الأجر في الآخرة، مع ما يجلبه له الإيثار من البركة وفيضان الخير عليه، فيعود عليه من إيثاره


(١) "والتسوية" ساقط من "ب".
(٢) الحَدور: الأرض المنحدرة، وقد سبق المثل في ص (٢٢٩).
(٣) تقدّم تخريجه في ص (٦٤٨).
(٤) "ك، ط": "أو لكره الاستئثار"!