للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

والمثال السادس: الخوف.

قال أبو العبّاس: "هو الانخلاعُ عن طمأنينة الأمن، والتيقّظُ لنداءِ الوعيد، والحذرُ من سطوة العقاب. وهو من منازل العوامّ أيضًا. وليس في منازل الخواصّ خوف، لأنَّه لا أمان للغافل، إنَّما يعبد (١) مولاه على وحشة من نظره، ونفرة من الأنس به عند ذكره. {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} [الشورى/ ٢٢]. وأمَّا الخواصّ أهل الاختصاص (٢)، فإنَّهم جعلوا الوعيد منه وعدًا، والعذابَ فيه عَذْبًا، لأنَّهم شاهدوا المبتلي في البلاءِ، والمعذِّب في العذاب، فاستعذبوا ما وجدوا في جنب ما شاهدوا. وفي ذلك (٣) قال قائلهم:

سَقَمي في الحبِّ عافيتي ... ووجودي في الهوى عدَمي

وعذابٌ ترتضون به ... في فمي أحلى من النِّعم (٤)

ومن كان مستغرقًا في المشاهدة حلَّ (٥) في بساط الأنس، فلا يبقى للخوف بساحته ألم (٦)؛ لأنَّ المشاهدة تُوجِب الأنس، والخوف يُوجِبُ


(١) في محاسن المجالس: ". . خوف؛ لأنه لا يليق للعبد أن يعبد".
(٢) "ف": "وأهل الاختصاص"، سهو.
(٣) "ك، ط": "شاهدوا في ذلك".
(٤) البيتان مع ثالث في المدهش (٤٥١). وذكر في نفح الطيب (٥/ ٥٩٨) أنَّها تنسب إلى الحلّاج.
(٥) في المجالس: "حالّ" وفي نسخة منه: "جائلًا".
(٦) كذا في الأصل وغيره. وفي المجالس: "إلمام". وهو الصواب الظاهر.