للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواصّ خلقه (١).

فإيَّاك ورعونات النفوس (٢) وحماقاتها وجهالاتها، ولا تكن ممَّن لا يقدر اللَّه حقَّ قدره. وقد قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللَّه لو عذَّب أهلَ سماواته وأرضه لعذَّبهم، وهو غيرُ ظالمٍ لهم" (٣). فإذا علم المقرّب العارف أنَّ اللَّه لو عذَّبه لم يظلمه، فمن أحقّ بالخوف منه؟

قوله: "وقال في حقِّ العوامّ: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (٣٧)} [النور/ ٣٧] ". هذا من الشطحات القبيحة الباطلة، فإنَّ هذا صفة خواصّ عباده وعارفيهم، وهم الذين قال فيهم: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [النور/ ٣٨ - ٣٧]. فهؤلاء خواصّ الخلق، وهم أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومن تبعهم بإحسانٍ، أفلا يستحيي من جعل هذا الوصف للعوامّ؟

ولا ريبَ أنَّ هذا مصدره إمَّا جهل مفرط، وإمَّا تقليد لقائل لا يدري لازمَ قوله. هذا إن أُحسِن الظن بقائله. وإن كان مصدره غيرَ ذلك فأدهى وأمرّ. ولولا أنَّ هذه الكلمات ونحوها مهاوٍ ومعاطبُ في الطريق لكان الإعراض عنها إلى ما هو أهمُّ منها أولى. واللَّه المستعان.

فصل [رجاؤهم]

قال: "ورجاؤهم ظمؤهم إلى الشراب الذي هم فيه غَرْقَى، وبه


(١) "ب": "من خواص خلقه".
(٢) "ك، ط": "النفس".
(٣) تقدّم تخريجه في ص (١٦٤).