للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشهد الرَّابع: مشهد التوحيد والأمر (١)، فيشهد انفرادَ الرب تعالى بالخلق، ونفوذَ مشيئته، وتعلقَ الموجودات (٢) بأسرها بها (٣)، وجريانَ حكمه على الخليقة، وانتهاءها إلى ما سبق (٤) في علمه، وجرى به قلمه. ويشهد مع ذلك أمره ونهيه وثوابه وعقابه، وارتباطَ الجزاء بالأعمال واقتضاءها له، ارتباطَ المسبَّبات بأسبابها، التي جُعِلَت أسبابًا مقتضيةَ له (٥) شرعًا وقدرًا وحكمة.

فشهودُه توحيدَ الرب تعالى وانفرادَه بالخلقِ ونفوذَ مشيئته وجريانَ قضائه وقدره يفتحُ له بابَ الاستعانة به (٦) ودوام الالتجاء إليه والافتقار إليه. وذلك يُدنيه من عتبة العبودية، ويطرحه بالباب فقيرًا عاجزًا مسكينًا، لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا. وشهودُه أمرَه تعالى ونهيَه وثوابَه وعقابَه يُوجبُ له الجِدَّ (٧) والتشمير، وبذلَ الوسع، والقيامَ بالأمر، والرجوع علَى نفسه باللّوم والاعتراف بالتقصير. فيكون سيرُه بينَ شهودِ العزَّةِ والحكمة والقدرة الكاملة والعلم السابق والمنَّة العظيمة، وبينَ شهودِ التقصير والإساءةِ منه وتطلّب عيوبِ


(١) سمّى المشهد الرابع في المفتاح: "مشهد أهل العلم والايمان، وهو مشهد القدر والشرع"، ثم سمّى المشهد السادس: "مشهد التوحيد". وانظر المدارج (١/ ٤٩١).
(٢) يحتمل قراءة "الوجودات".
(٣) "بها" يعني: بمشيئته. وفي "ط": "به".
(٤) "ط": "سبق لها".
(٥) كذا في الأصل وغيره، والضمير راجع إلى الجزاء. وفي "ط": "لها".
(٦) "ك، ط": "الاستعاذة ودوام".
(٧) "ك، ط": "الحمد"، تحريف.