للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهو لغَيبته عن هذا المشهد، وغلبة شهود المعصية والكسب على قلبه، لا يعطي التوحيدَ حقَّه، ولا الاستعانة (١) بربِّه والاستغاثة به واللجأ (٢) إليه والافتقار والتضرع والابتهال حقَّه، بحيث يشهد سرَّ قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك" (٣). فإنَّه سبحانه ربُّ كل شيء وخالقُ كل شيء، فالمستعاذُ (٤) منه واقع بخلقه ومشيئته، ولو شاء لم يكن، فالفرار منه إليه، والاستعاذة منه به، ولا ملجأ منه إلا إليه، ولا مهرب منه إلا إليه، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.

وأمَّا الثاني -وهو منكر القضاء والقدر- فمخذول، محجوب عن شهود التوحيد، مصدود عن شهود الحكمة الإلهية، موكول إلى نفسه، ممنوع عن شهود عزَّة الرب تعالى في قضائه وكمال مشيئته ونفوذ (٥) حكمه، وعن شهود عجزه هو وفقره، وأنَّه لا توفيق له إلا باللَّه، وأنَّه إن لم يُعِنْه اللَّه فهو مخذول، وإن لم يوفقه ويخلقْ له عزيمة الرشد وفعله فهو عنه ممنوع. فحجابه عن اللَّه غليظ، فإنَّه "لا حجاب أغلظ من الدعوى، ولا طريقَ إلى اللَّه أقرب من دوام الافتقار إليه" (٦).


(١) "ط": "الاستعاذة".
(٢) "ب، ك، ط": "الالتجاء".
(٣) سبق تخريجه (٥٧).
(٤) في "ف" وغيرها: "والمستعاذ"، قراءة محتملة.
(٥) "ب": "نفاذ".
(٦) من كلام سهل بن عبد اللَّه التستري. انظر صفة الصفوة (٢/ ٢٣٤)، ومجموع الفتاوى (٧/ ٢٠). وانظر الوابل الصيب (١٢)، والمدارج (١/ ٥١١). وسيأتي مرة أخرى في ص (٣٦٦).