للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يشهد إلّا صدورَه عنه وقيامه به، ولا يشهد مع ذلك مشيئةَ الربّ له، ولا جريانَ حكمه القدريّ به، ولا عزّةَ الربّ تعالى في قضائه ونفوذ أمره. بل قد فني بشهود معصيته وذنبه (١) وقبح ما اجترمه عن شهود المشيئة النافذة والقدر السابق، إمّا لعدم اتساع قلبه لشهود الأمرين، فقد امتلأ من شهود ذنبه وجرمه وفعله، مع أنّه مؤمن بقضاءِ الربّ وقدره، وأنّ العبد أقلّ قدرًا (٢) من أن يُحدِث في نفسه ما لم يسبق به مشيئةُ بارئه وخالقه. وإمّا لإنكاره القضاءَ والقدر جملةَ، وتنزيهه للرب تعالى أن يُقدِّر على العبد شيئًا ثمّ يلومه عليه.

فأما الأول وإن (٣) كان مشهده صحيحًا نافعًا له موجِبًا له أن لا يزال لائمًا لنفسه، مُزريًا عليها (٤)، ناسبًا للذنب والعيب إليها، معترفًا بأنّه يستحقّ العقوبة والنكال، وأنّ اللَّه تعالى إن عاقبه فهو العادل فيه وأنّه هو الظالم لنفسه، وهذا كلّه حقّ لا ريب فيه؛ لكن صاحبه ضعيف مغلوب مع نفسه غيرُ مُعانٍ عليها، بل هو معها كالمقهور المخذول، فإنّه لم يشهد عزّةَ الربّ تعالى في قضائه ونفوذ أمره الكوني ومشيئته، وأنّه لو شاءَ لعصمه وحفظه، وأنّه لا معصوم إلّا من عصمه، ولا محفوظ إلّا من حفظه، وأنّه هو محلّ لجريان أقضيته وأقداره، مسوق إليها في سلسلة إرادته وشهوته، وأنَّ تلك السلسلة طرفها بيد غيره، فهو القادرُ على سَوقه بها (٥) إلى ما فيه صلاحه وفلاحه، وإلى ما فيه هلاكه وشقاؤه.


(١) "ط": "بذنبه"، خطأ.
(٢) "ف": "أمرًا"، خلافًا للأصل.
(٣) "ب": "فإن".
(٤) "ب": "لنفسه لائمًا، عليها مزريًا".
(٥) "ط": "فيها".