موضوع هذا الكتاب قواعد السلوك والسير إلى اللَّه على المنهج الشرعي الذي بينه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. فالمؤمن يجب عليه أن يوحد اللَّه بعبادته ومحبته وخوفه ورجائه، وأن يكون قدوته في ذلك هو النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيتبع هديه وشرعه ومنهاجه. وهذان الأمران: إفراد اللَّه بالعبادة، وإفراد الرسول بالمتابعة، هما المقصودان بالهجرتين في عنوان الكتاب. فيقول المؤلف رحمه اللَّه في مقدمته:"فله -يعني للمؤمن- في كل وقت هجرتان: هجرة إلى اللَّه بالطلب والمحبة والعبودية، والتوكل والإنابة، والتسليم والتفويض، والخوف والرجاء، والإقبال عليه، وصدق اللجأ والافتقار في كل نفَس إليه. وهجرة إلى رسوله في حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة، بحيث تكون موافقة لشرعه الذي هو تفصيل محاب اللَّه ومرضاته، ولا يقبل اللَّه من أحد دينًا سواه. وكل عمل سواه، فعيش النفس وحظّها لا زاد المعاد".
وقد عني المؤلف في كتبه ببيان أهمية الهجرتين في حياة المسلمين عناية بالغة، فتكلم عليهما في مواطن عديدة؛ لأنهما مضمون الشهادتين ومقتضاهما، ولا يقوم الإيمان والإسلام إلّا بهما. فقال في مدارج السالكين (٢/ ٥٢٠): "وللَّه على كل قلب هجرتان، وهما فرض لازم له على [مدى] الأنفاس: هجرة إلى اللَّه سبحانه بالتوحيد والإخلاص والإنابة والحب والخوف والرجاء والعبودية. وهجرة إلى رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بالتحكيم له والتسليم والتفويض والانقياد لحكمه، وتلقي أحكام الظاهر والباطن من مشكاته، فيكون تقيده به أعظم من تقيد الركب بالدليل الماهر في ظلم الليل ومتاهات الطريق. فما لم يكن لقلبه هاتان الهجرتان فليحث على