رأسه الرماد، وليراجع الإيمان من أصله، فيرجع وراء، ليقتبس نورًا قبل أن يحال بينه وبينه، ويقال له ذلك على الصراط من وراء السور، واللَّه المستعان".
وقد عقد فصلًا كاملًا في قصيدته النونية (٨٧٠) بعنوان "فصل في تعيّن الهجرة من الآراء والبدع إلى سنّته، كما كانت فرضًا من الأمصار إلى بلدته -صلى اللَّه عليه وسلم-" يشتمل على ٥٧ بيتًا، افتتحه بقوله:
يا قوم فرضُ الهجرتين بحاله ... واللَّهِ لم يُنسخ إلى ذا الآنِ
فالهجرة الأولى إلى الرحمن بالـ ... إخلاص في سرّ وفي إعلان
إلى أن قال:
والهجرة الأخرى إلى المبعوث بالـ ... إسلام والإيمان والإحسان
وفي رسالته التي بعث بها من تبوك إلى أصحابه بالشام، أفاض القول في بيان أهمية الهجرتين بأسلوب أدبي بليغ، وذكر أن الهجرة إلى اللَّه ورسوله فرض عين على كل أحد في كل وقت، وهي مطلوب اللَّه ومراده من العباد. وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعة لها. وبعد ما فسّر الهجرة إلى اللَّه قال: "والذي يُقضى منه العجب أنّ المرء يوسّع الكلام، ويفرّع المسائل في الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وفي الهجرة التي انقطعت بالفتح، وهذه هجرة عارضة ربما لا تتعلق به في العمر أصلًا. وأما هذه الهجرة التي هي واجبة على مدى الأنفاس [فإنه] لا يحصل [فيها] علمًا ولا إرادة. وما ذاك إلا للإعراض عما خلق له والاشتغال عما لا ينجيه غيره" (٢٠ - ٢١).
وأما الهجرة إلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلام المؤلف عليها في الرسالة