للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وآسِره، وكالدابّة الريّضة (١) المنقادة في يد سائسها وراكبها، فهي منقادة معه حيث قادها، فإذا رام التقدّم جمَزَتْ (٢) به وأسرعت، فإذا (٣) أرسلها سارت به وجرت في الحَلْبة إلى الغاية ولا يردّها شيء، فتسير به وهو ساكن على ظهرها؛ ليس كالذي نزل عنها فهو يجرّها بلجامها، ويشحَطها ولا تنشحط (٤). فشتَّان ما بين المسافرين! فتأمَّل هذا المثل، فإنَّه مطابق لحال السائرين (٥) المذكورين، واللَّه يختصّ برحمته من يشاء.

فصل

ومن شأن القوم أن تنسلخ نفوسهم من التدبير والاختيار الذي يخالف تدبير ربّهم (٦) تعالى واختياره، بل قد سلَّموا إليه سبحانه التدبيرَ كلَّه، فلم يزاحم (٧) تدبيرُهم تدبيرَه ولا اختيارُهم اختيارَه، لتيقنهم أنَّه الملك القاهر القابض على نواصي الخلق، المتولِّي لتدبير (٨) أمر العالم كلِّه، وتيقّنِهم مع ذلك أنَّه الحكيم في أفعاله الذي لا تخرج أفعاله عن الحكمة والمصلحة والرحمة. فلم يُدخلوا أنفسهم معه في تدبيره لملكه وتصريفِه


(١) "ب": "الرضيّة"، تحريف.
(٢) أي: وثبت وأسرعت. والجمزى: ضرب من السير سريع.
(٣) "ب": "وإذا".
(٤) أي: يسحبها ويمرّغها، فلا تنسحب. من كلام العامّة انظر: متن اللغة "شحط" (٣: ٨٣). وفي "ك": "يتشحّط".
(٥) "ف": "السالكين"، سهو.
(٦) "ب، ك، ط": "تدبيره".
(٧) "ط": "فلا يزاحم".
(٨) "ط": "تدبير".