للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحدُ النَّاس في زمانه (١)، لا يُلحَق شأْوُه، ولا يشقُّ غبارُه. فشتَّان ما بين من يتلقَّى أحواله ووارداته عن الأسماء والصفات، وبين من يتلقَّاها عن الأوضاع الاصطلاحية والرسوم أو عن مجرّد ذوقه ووجده، إذا استحسن شيئًا قال: هذا هو الحقّ.

فالسيرُ إلى اللَّه (٢) من طريق الأسماء والصفات شأنه عجب، وفتحُه عجب (٣). صاحبه قد سبق السُّعاة (٤)، وهو مستلقٍ على فراشه، غيرُ تعب ولا مكدود، ولا مشتَّتٍ عن وطنه، ولا مشرَّدٍ عن سكنه. {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل/ ٨٨]. وليس العجب من سائر في ليله ونهاره، وهو في السُّرى (٥) لم يبرح من مكانه. وإنَّما العجب من ساكنٍ لا يُرى عليه أثرُ السفر، وقد قطع المراحل والمفاوز! فسائرٌ قد ركبتْه نفسُه، فهو حاملها سائرٌ بها، ملبوك بها (٦)، يعاقبها وتعاقبه، ويجرّها وتهرب منه، ويخطو بها خطوةً إلى أمامه فتجذبه خطوتين إلى ورائه؛ فهو معها في جهد وهي معه كذلك. وسائرٌ قد ركب نفسَه، وملك عِنانَها، فهو يسوقها كيف شاءَ وأين شاءَ، لا تلتوي عليه، ولا تنجذب، ولا تهرب منه، بل هي معه كالأسير الضعيف في يد مالكه


(١) "ط": "بزمانه".
(٢) "إلى اللَّه" ساقط من "ب".
(٣) "ب": "شأنه عجيب وفتحه غريب".
(٤) "ب": "سيق للسعادة"، "ط": "سيقت له السعادة"، تحريف وتغيير. وانظر نحوه في مدارج السالكين (٢/ ٥٨٥).
(٥) "ب": "السير". "ط": "الثرى"، تحريف.
(٦) "بها" ساقط من "ب، ك، ط". وفي "ب": "مكبول"، تحريف. ويقصد المؤلف أن هذا السائر قد نشب بنفسه وتورّط بها، فيجذبها وتجذبه.