للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلق الجنَّة، وخلق لها أهلًا، وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم. وخلق النار، وخلق لها أهلًا، وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم". فهذا الحديث يدلّ على أنَّه لا يشهد لكلِّ طفل من أطفال المؤمنين بالجنَّة، وإن أُطلق على أطفال المؤمنين في الجملة أنَّهم في الجنَّة، لكنَّ الشهادة للمعيَّن ممتنعة؛ كما يشهد للمؤمنين مطلقًا أنَّهم في الجنَّة، ولا يشهد لمعيَّن بذلك إلا من شهد له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. فهذا وجه الحديث الذي أشكل (١) على كثيرٍ من النَّاس، وردَّه الإمام أحمد وقال: لا يصحّ، ومن يشكّ أنَّ أولاد المسلمين في الجنَّة؛ (٢) وتأوّله قومٌ تأويلات بعيدة.

المذهب الثامن: أنَّهم يمتحنون في عرصة (٣) القيامة، ويرسل إليهم هناك رسول وإلى كلِّ من لم تبلغه الدعوة، فمن أطاع الرسول دخل الجنَّة، ومن عصاه أدخله النَّار. وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنَّة وبعضهم في النَّار. وبهذا يتألَّف شمل الأدلّة كلَّها، وتتوافق الأحاديث، ويكون معلومُ اللَّه -عزَّ وجلَّ- الذي أحال عليه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث يقول: "اللَّه أعلم بما كانوا عاملين" يظهر حينئذٍ، ويقع الثواب والعقاب عليه حال كونه معلومًا خارجيًّا (٤) لا علمًا مجرَّدًا، ويكون النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد ردَّ جوابهم إلى علم اللَّه فيهم، واللَّه تعالى يردّ ثوابهم وعقابهم إلى معلومه منهم. فالخبرُ عنهم مردودٌ إلى علمه، ومصيرُهم مردودٌ إلى معلومه.


= أبي داود (٤٧١٣).
(١) "ك، ط": "يشكل".
(٢) انظر: حاشية المؤلف على السنن (١٢/ ٣١٨).
(٣) "ب، ك، ط": "عرصات".
(٤) "ط": "معلومًا علمًا خارجيًا"!