للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الجنَّة، وأنَّهم يكونون معهم في درجتهم. ومع هذا فلا يتوهّم نزول الآباء إلى درجة الذرية، فإنَّ اللَّه لم يَلِتْهُمْ -أي: لم ينقصهم- من أعمالهم شيئًا، بل رفع ذرّيتهم (١) إلى درجاتهم مع توفير أجور الآباء عليهم. لما كان إلحاق الذرّية بالآباء في الدرجة إنَّما هو بحكم التبعية لا بالأعمال، ربما توهَّم متوهّم أنَّ ذرّية الكفار يلحقون بهم في العذاب تبعًا وإن لم يكن لهم أعمال الآباء، فقطع تعالى هذا التوفم بقوله: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (٢١)}.

وتأمَّل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} (٢) [الطور/ ٢١]، كيف أتى بالواو العاطفة في إتباع الذرية، وجَعَلَ الخبر (٣) عن المؤمنين الذين هذا شأنهم، فجعل الخبر مستحَقًّا بأمرين: أحدهما: إيمان الآباء، والثاني: إتباع اللَّه ذريتَهم إيَّاهم. وذلك لا يقتضي أنَّ كل مؤمن يَتبعه كلُّ ذرية له، ولو أريد هذا المعنى لقيل: والذين آمنوا تتبعهم ذرّياتُهم. فعطفُ الإتباع بالواو يقتضي أن يكون المعطوف بها قيدًا وشرطًا في ثبوت الخبر، لا حصوله لكلِّ أفراد المبتدأ.

وعلى هذا يخرَّج ما رواه مسلم في صحيحه (٤) عن عائشة قالت: أُتي النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بصبي من الأنصار يصلّي عليه: فقلت: يا رسول اللَّه، طوبى لهذا، لم يعمل شرًّا، ولم يدرِ به (٥). قال: "أوَ غير ذلك يا عائشة، إنَّ اللَّه


(١) "ك، ط": "ذرياتهم".
(٢) انظر: التعليق السابق على الآية.
(٣) "ف": "وبعد الخبر"، تحريف.
(٤) "ط": "ولم يدره".
(٥) كتاب القدر (٢٦٦٢) وقد سبق في ص (١٥٠). ولفظ الحديث هنا من سنن =