وهنا واجه مسألة كبيرة أخرى من المعضلات، قد أشكلت على الفلاسفة وغيرهم من أصحاب الديانات والمقالات قديمًا وحديثًا، فخبطوا فيها خبط عشواء. هي مصدر الشرّ الموجود في العالم وحكمة خلق الأضداد. فناقش المؤلف هذه المسألة من وجوه مختلفة، وأعاد فيها وأبدأ ذاكرًا مذاهب الناس في دخول الشر في القضاء الإلهي، والأصول التي تفرّعت عنها تلك المذاهب، وفي أثنائها تعرض لمسألة إيلام الأطفال والبهائم. وفي الأخير نقل فصلًا لفخر الدين الرازي في هذه المسألة من كتابه المباحث المشرقية، وعقّب عليه.
وقد اتضح من هذا العرض المقتضب لمسألة القضاء والقدر وما يتصل بها كيف تطرق الكلام إليها، ثم اقتضى خطرها وكثرة التنازع فيها أن يتوسع في مناقشتها. ولعلك تذكر قول المؤلف في بداية الفصل أن اللَّه سبحانه لا يحبس فضله عن الانسان إلا لأمرين، وأنه ذكر الأمر الأول الذي قاده إلى هذه المسألة العظيمة الواسعة الأطراف، فذهب عليه مع استطالة الكلام أن يذكر الأمر الثاني. وهذا الموضع ومواضع أخرى تدلّ على أن المؤلف رحمه اللَّه لم يتمكن من إعادة النظر في الكتاب بعد تسويده.
[٢ - نقد كتاب محاسن المجالس لابن العريف في علل المقامات]
أبو العباس أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجي الأندلسي المعروف بابن العريف من أكابر صوفية الأندلس. ولد في المرية، ومات في مرّاكش. كانت له عناية بالقراءات ومشاركة في عدة علوم. وكان أديبًا شاعرًا، وكانت بينه وبين القاضي عياض مكاتبات حسنة (١). وله كتاب