للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وُجِدَ منها وما (١) يوجَد هو حمدٌ يتضمن الثَّناءَ عليه بكماله القائم بذاته والمحاسن الظاهرة في مخلوقاته. وأمَّا ما لا وجود له فلا محامد فيه (٢) ولا مذامّ، فجعلُ الحمدِ مالئًا له جعلُه مالئًا (٣) لما لا حقيقة له.

وقد اختلف النَّاس في معنى كون حمده يملأ السماوات والأرض وما بينهما، فقالت طائفة: هذا (٤) على جهة التمثيل، أي لو كان أجسامًا لملأ السماوات والأرضِ وما بينهما (٥). قالوا: فإنَّ الحمد من قبيل المعاني والأعراض التي لا تُملأ بها الأجسام، ولا تُملأ الأجسام إلا بالأجسام.

والصواب أنَّه لا يحتاج إلى هذا التكلف البارد، فإنَّ ملء كل شيء يكون بحسب المالئ والمملوءِ، فإذا قيل: امتلأ الإناءُ ماءً، وامتلأت الجفنةُ طعامًا، فهذا الامتلاء نوع. وإذا قيل: امتلأت الدَّارُ رجالًا، وامتلأت المدينةُ خيلًا ورجالًا، فهذا نوع آخر. وإذا قيل: امتلأَ الكتابُ سطورًا، فهذا نوع آخر.

وإذا قيل: امتلأت مسامع الناس حمدًا أو ذمًّا لفلان، فهذا نوع آخر، كما في أثر معروف (٦): "أهل الجنَّة من امتلأت مسامعه من ثناء الناس


(١) "ما" ساقطة من "ط".
(٢) "فيه" سقط من "ط"، واستدرك في القطرية.
(٣) "جعله مالئا" سقط من "ط"، واستدرك في القطرية.
(٤) لم يرد "هذا" في "ك، ط".
(٥) هنا عبارة مضروب عليها، نثبتها للفائدة: "وكان شيخنا رحمه اللَّه يرى أنَّه لا يحتاج إلى هذا التكلف، بل الحمد يملؤها حقيقة".
(٦) أخرجه ابن ماجة (٤٢٢٤) من حديث ابن عباس مرفوعًا. قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. (ز).