للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقوله: "الفقرُ اسمٌ للبراءة من رؤية الملكة" يعني أنّ الفقير هو الذي يجرّد رؤية الملك لمالكه الحق، فيرى نفسه مملوكة للَّه، لا يرى نفسه مالكًا بوجه من الوجوه، ويرى أعماله مستحَقّة عليه بمقتضى كونه مملوكًا عبدًا مستعملًا فيما أمره به سيّده. فنفسه مملوكة، وأعماله مستحَقّة بموجب العبودية، فليس مالكًا لنفسه ولا لشيء من ذرّاته ولا لشيء من أعماله، بل كلّ ذلك مملوك عليه مستحقّ عليه؛ كرجل اشترى عبدًا بخالص ماله ثمّ علّمه بعض الصنائع، فلمّا تعلّمها قال له: اعمل وأدِّ إليَّ، فليس لك في نفسك ولا في كسبك شيء. فلو حصل بيد هذا العبد من الأموال والأسباب ما حصل لم ير له فيها شيئًا، بل يراها (١) كالوديعة في يده، وأنّها أموالُ أُستاذه وخزائنُه ونعمُه، بيد عبده مستودعها (٢)، متصرّفًا فيها لسيّده لا لنفسه، كما قال عبد اللَّه ورسوله وخيرته من خلقه: "واللَّه إني لا أعطي أحدًا، ولا أمنع أحدًا، وإنما أنا قاسم أضع حيث أُمِرتُ" (٣).

فهو متصرّف في تلك الخزائن بالأمر المحض تصرُّفَ العبد المحض الذي وظيفته تنفيذ أوامر سيّده. فاللَّه هو المالك الحق، وكل ما بيد خلقِه هو من أمواله وأملاكه وخزائنه، أفاضها عليهم ليمتحنهم في البذل والإمساك، وهل يكون ذلك منهم على شاهد العبودية للَّه عز وجلّ، فيبذل (٤) أحدهم الشيء رغبةً في ثواب اللَّه، ورهبةً من عقابه، وتقرّبًا


(١) "ك، ط": "يراه".
(٢) "ك، ط": " مستودعًا".
(٣) من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه. أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس (٣١١٧). وانظر المسند (١٦: ١٨٠) (١٠٢٥٧).
(٤) "ك": "فبذل".