للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اليسير شرٌّ كبير (١)، وهو خلافُ موجب الحكمة الَّذي تنزَّه اللَّه سبحانه عنه.

قلتُ لشيخ الإسلام (٢): فقد كان من الممكن خلق هذه الأمور مجرَّدةً عن المفاسد، مشتملةً على المصلحة الخالصة. فقال: خلق هذه الطبيعة بدون لوازمها ممتنع، فإنَّ وجود الملزوم بدون لازمه محال، ولو خُلِقت على غير هذا الوجه لكانت غير هذه، ولكان عالمًا آخر غير هذا.

قال: ومن الأشياء ما تكون ذاته مستلزمةً لنوع من الأمور لا ينفك عنه، كالحركة مثلًا المستلزمة لكونها لا تبقى. فإذا قيل: لم لم تخلق الحركةُ المعيّنةُ باقيةً؟ قيل: لأنَّ ذات الحركة تتضمن النقلة من مكان إلى مكان والتحول من حال إلى حال، فإذا قدر ما ليس كذلك لم يكن حركة. ونفس الإنسان هي في ذاتها جاهلة عاجزة فقيرة كما قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل/ ٧٨] وإنَّما يأتيها العلم والقدرة والغنى من اللَّه بفضله ورحمته، فما حصل لها من كمال وخير فمن اللَّه، وماحصلَ لها من عجز وفقر وجهل يوجب الظلم والشر فهو منها ومن حقيقتها. وهذه أمور عدمية، وليس لها من نفسها وجود ولا كمال. والأمور العدمية من لوازم وجودها، ولو خلقت (٣) على غير ذلك لم تكن هي هذه النفس الإنسانية بل مخلوقًا آخر.

فحقيقة نفس الإنسان جاهلة ظالمة فقيرة محتاجة، والشرُّ الَّذي يحصل لها نوعان: عدم، ووجود.


(١) هذه قراءة "ف، ن". وفي "ك، ط": "كثير".
(٢) يعني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه، كما في نسخة "ف" تحت السطر.
(٣) "ك، ط": "جعلت".