للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويعفو عنه، ويحلم عنه، ويرحمه؟ وهل انتقامه إلا من لوازم ربوبيته وملكه؟ فممن ينتقم إن لم يكن له أعداء ينتقم منهم، ويُري أولياءَه كمال نعمتِه واختصاصه إيَّاهم دون غيرهم بكرامته وثوابه؟

وهل في الحكمة الإلهية تعطيلُ الخير الكثير لأجل شرٍّ جزئي يكون من لوازمه؟ فهذا الغيث الَّذي يحيى اللَّه به (١) البلاد والعباد والشجر والدواب، كم يحبس من مسافر، ويمنع من قصَّار (٢)، ويهدم من بناء، ويعوق عن مصلحة (٣)؟ ولكن أين هذا مما يحصل به من المصالح؟ وهل (٤) هذه المفاسد في جنب مصالحه إلا كتَفلةٍ في بحر؟ وهل تعطيلُه لئلا تحصل به هذه المفاسد إلا موجِبًا (٥) لأعظم المفاسد والهلاكِ؟

وهذه الشمس التي سخَّرها اللَّه لمنافع عباده (٦) وإنضاج ثمارهم وأقواتهم وتربية أبدانهم وأبدان الحيوانات والطير، وفيها من المنافع والمصالح ما فيها = كم تؤذي مسافرًا وغيره بحرّها، وكم تجفف رطوبةً وكم تُعطِش حيوانًا، وكم تحبس عن مصلحة، وكم تنشِف من مورد، وتحرق من زرع! ولكن أين يقع هذا في جنبِ ما فيها من المنافع والمصالح الضرورية، والمُكملة؟ فتعطيل الخير الكثير لأجلِ الشر


(١) "ك، ط": "يحيى به اللَّه".
(٢) "ط": "قصاد" بالدال، تحريف. والقصار: الَّذي يدُق الثياب بالقَصَرة -قطعة من الخشب- ويبيضها.
(٣) "ك، ط": "من مصلحة".
(٤) في "ن": "فهل".
(٥) كذا بالنصب في الأصل وغيره، وموضعه الرفع لكونه خبر المبتدأ.
(٦) "ك": "العباد".