للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توكّلهم]

قوله: "وتوكّلهم: رضاهم بتدبير الحقّ، وتخلُّصُهم من تدبيرهم، وفراغُ هممهم من إجالتها (١) في إصلاح شؤونهم (٢)، بوقوفهم على فراغ المدبِّر منها، ومرِّها على علمه بمصالحهم فيها. ونفوسُهم مطمئنَّةٌ بذلك {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)} الآية [الفجر/ ٢٧] " (٣).

قد تقدَّم الكلام على التوكّل وبيانُ أنَّه من مقامات العارفين، وأنَّه لا انفكاك للمؤمن منه، وذكر العلَّة فيه ما هي.

وقوله: "وتوكلّهم رضاهم بتدبير الحقِّ". الرضا بالتدبير ثمرةُ التوكّل وموجَبُه، لا أنَّه نفسُ التوكّل. فالمقدور يكتنفه (٤) أمران: التوكّل قبل وقوعه، والرضا به بعد وقوعه. ومن هنا قال بعضهم: "حقيقة التوكّل الرضا"، لأنَّه لما كان ثمرتَه وموجَبَه استدلّ به عليه استدلالًا بالأثر على المؤثِّر، وبالمعلول على العلّة.

ولهذا قال في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما عن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال في دعائه: "اللّهم إنِّي أسألك بعلمك الغيبَ وقدرتك على الخلق، أحْيِني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي. اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمةَ الحقِّ في الغضب والرضا، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك


(١) "ب، ك، ط": "احتيالها"، تحريف. وستأتي مرَّة أخرى على الصواب.
(٢) "ط": "شؤونها".
(٣) محاسن المجالس (٩٥).
(٤) "ك، ط": "في المقدور يكشفه"، تحريف.