للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعيمًا لا ينفد، وأسألك قرَّةَ عينٍ لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاءِ، وأسألك بردَ العيشِ بعد الموت" الحديث، وقد تقدَّم (١). فقال: "أسألك الرضا بعد القضاء". وأمَّا التوكّل فإنَّما يكون قبله.

وقوله: "وتخلّصهم (٢) من تدبيرهم". هذا مقام كثيرًا ما يشير إليه السالكون، وهو ترك التدبير. وينبغي أن لا يؤخذ على إطلاقه، بل لا بدَّ فيه من التفصيل. فيقال: العبد دائرٌ بين مأمورٍ يفعله، ومحظورٍ يتركه، وقدرٍ يجري (٣) عليه بلا إرادةٍ منه ولا كسبٍ. فوظيفته في المأمور كمالُ التدبير والجدّ والتشمير، وأن يدبر (٤) الحيلة في تنفيذه بكل ما يمكنه، فتركُ التدبير هنا تعطيلٌ للأمر. بل يدبِّر فعلَه ناظرًا إلى تدبير الحقِّ له، وأنَّ تدبيره إنَّما يتمّ بتدبير اللَّه له، فلا يكون هنا قدريًّا مجوسيًّا ناظرًا إلى فعله، جاحدًا لتدبير اللَّه وتقديره ومعونته، ولا قدريًّا مُجبِرًا واقفًا (٥) مع القدر، جاحدًا لفعله وتدبيره ومحلّ (٦) أمر اللَّه ونهيه منه (٧)، فإنَّ فعله الاختياري هو محلّ الأمر والنهي، فمن جحد فعلَ نفسه فقد عطَّل الأمر والنَّهي، وجحد محلَّهما.

ووظيفته في المحظور الفناءُ عن إرادته وفعله، فإن عارضته أسبابُ الفعل فالواجب عليه الجدّ في الهرب والتشمير في الكفّ والبعد. وهذا


(١) في ص (١٢٤، ٧٢١).
(٢) في الأصل: "تخليصهم"، سهو، وكذا في غيره، وقد مرّ على الصواب آنفًا.
(٣) "ط": "وقد يجري"، تحريف اختلّ به الكلام.
(٤) "ف": "يدير".
(٥) "ط": "ولا واقفًا".
(٦) "ط": "مجلى"، تحريف.
(٧) "منه" ساقط من "ك، ط".