للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تدبيره (١) للنهي.

وأمَّا القدر الذي يصيبه بغير إرادته، فهذا الذي يحسن فيه إسقاطُ التدبير جملةً، وصبره ورضاه بما قُسِمَ له من محبوب ومكروه.

فعلى هذا التفصيل ينبغي أن يوضع إسقاطُ التدبير. وجماعُ ذلك أنَّك تُسقِط التدبيرَ في حظك، وتكون قائمًا بالتدبير في حقِّ ربّك. وهكذا ينبغي أن تفرغ الهمَّة من إجالتها في إصلاح شأنك، فإنَّ إصلاح شأنك بحصول حظوظك يحسن (٢) فيه فراغُ الهمة وترك التدبير. وأمَّا إصلاح شأنك بأداءِ حقِّ اللَّه فالواجب شَغلُ الهمة وإجالتها في القيام به.

وقوله: "بوقوفهم على فراغ المدبّر منها، ومرّها على علمه بمصالحهم فيها". فلا ريبَ أنَّ اللَّه سبحانه قضى القضية، وفرغ من تقدير (٣) أمور الخلائق، ولكن قدَّرها بأسبابها المفضية إليها، فلا يكون وقوف العبد على فراغه سبحانه من أقضيته في خلقه وتدبيره مانعًا له من قيامه بالأسباب التي جعلها طرقًا لحصول ما قضاه منها. وكذلك يباشر العبد الأسباب التي بها حفظ حياته من الطعام والشراب واللباس والمسكن، ولا يكون وقوفه مع فراغ المدبِّر منها مانعًا له من تعاطيها. وكذلك يباشر الأسبابَ الموجِبةَ لبقاءِ النوع من النكاح والتسرّي، ولا يكون وقوفه مع فراغ اللَّه من خلقه مانعًا له من ذلك (٤). وهكذا جميع مصالح الدنيا والآخرة وإن كانت مفروغًا منها قضاءً وقدرًا، فهي منوطة


(١) "ك، ط": "تدبير".
(٢) "ف": "يحصل" سهو، وكذا في "ط".
(٣) "ك، ط": "تدبير".
(٤) "من ذلك" ساقط من "ب، ك، ط".