للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالت طائفة: كلُّ ما يتألم به الطفل والبهيمة ليس من قِبَل اللَّه سبحانه، ولا فعَل اللَّهُ فيه الألم، لما ثبت من حكمته. وهذا يشبه (١) قولهم في أفعال الحيوان أنَّها ليست من خلقِ اللَّه، ولا كانت بمشيئته. لكن هذا أشد فسادًا من ذلك، فإنَّ هذه الآلام حوادث لا تتعلَّق باختيار من قامت به ولا بإرادته، فلا بُدَّ لها من مُحدِث، إذ وجودُ حادثٍ بلا محدث محالٌ، واللَّه سبحانه خالقها بأسبابها المفضية إليها، فخالق السبَب خالق للمسيَّب. فإن أرادَ هؤلاء نفيَ فعلها عن اللَّه مباشرةً من غيرِ توسط سبب (٢) أصلًا فهذا قد يكون حقًّا، وإن أرادوا أنَّها غير منسوبة إلى قدرته ومشيئته البتَّة فباطل.

وذهبت طائفة إلى أنَّ في كلِّ نوعٍ من أنواع الحيوانات أنبياء ورسل (٣)، وأنَّها مستحقة للثوابِ والعقاب، وأنَّ ما ينزل بها من الآلام فجزاءٌ لها وعقوبات على معاصيها ومخالفتها. واحتجوا بقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام/ ٣٨]، وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (٢٤)} [فاطر/ ٢٤].

وقالت طائفة من التناسخية: إنَّ اللَّه تعالى خلق خلقَه كلَّهم جملةً واحدةً بصفة واحدة، ثمَّ أمرهم ونهاهم، فمن عصى منهم نسخ روحه في جسد بهيمة تُبتلى بالذبح والقتل كالدجاج والغنم والإبل والبقر والبراغيث والقمل، فما يُسلَّط (٤) على هذه البهائم من الآلام فهو


(١) "ك": "شبه".
(٢) "ك، ط": "بسبب".
(٣) كذا في الأصل و"ف"، وله وجه كما سبق آنفًا. وفي غيرهما: "رسلًا".
(٤) "ب، ك، ط": "سلط".