للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجريانِ (١) مع حكم الطبيعة الحيوانية فقط (٢)، رأى نفسه مطيعًا لا عاصيًا، كما قال قائلهم في هذا المعنى:

أصبحتُ منفعلًا لما يختاره ... منّي ففعلي كلُّه طاعاتُ (٣)

وأصحاب المشهد الأول أقرب إلى السلامة من هؤلاءِ وخير منهم. وهذا المشهد بعينه هو المشهد الذي شهده (٤) المشركون عبّاد الأصنام، ووقفوا عنده، كما قالوا: {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف/ ٢٠]. وقالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (٥) [الأنعام/ ١٤٨]. {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} (٦) [يس/ ٤٧] فهذا مشهد من أشرك باللَّه وردّ أمِرَه، وهو مشهد إبليس الذي انتهي إليه إذ يقول لربه: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩)} [الحجر/ ٣٩] (٧).

المشهد الثالث: مشهد الفعل الكسبيّ القائم بالعبد فقط (٨)،


(١) "ك، ط": "الحرمان"، تحريف.
(٢) "ط": "فقد"، تحريف.
(٣) سبق في ص (٥٥).
(٤) "ط": "يشهده".
(٥) في النسخ كلها: {وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} وهو جزء من الآية (٣٥) من سورة النحل.
(٦) في "ب" أكمل الآية: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٤٧)}.
(٧) في "ك، ط" زيادة: "واللَّه أعلم".
(٨) سمّاه في المفتاح: "مشهد القدر" وفي المدارج: "مشهد القدرية النفاة". ولكن ذكر تحت هذا المشهد هنا منكر القدر، ومن ليس منكرًا ولكنه مغلوب مع نفسه.