للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال (١) مالك رحمه اللَّه في هذه الآية: "من أحبَّ طاعةَ اللَّه أحبَّه اللَّهُ وحبّبه إلى خلقه".

وإنَّما كانت موافقة المحبوب دليلًا على محبّته لأنَّ من أحبَّ حبيبًا فلا بدَّ أن يحبّ ما يحبّه ويبغض ما يبغضه، وإلا لم يكن محبًّا له محبة صادقة. بل إن تخلّف ذلك عنه لم يكن محبًّا له، بل يكون محبًّا لمراده منه، أحبَّه محبوبُه أم كرهه، ومحبوبه عنده وسيلة إلى ذلك المراد، فلو حصل له حظّه من غيره لترحّل عن حبّه (٢). فهذه المحبة المدخولة الفاسدة. وإذا كانت المحبة الصحيحة تستدعي حبّ ما يحبّه المحبوب وبغض ما يبغضه، فلا بدّ أن يوافقه فيه.

ولكن ههنا مسألة يغلط فيها كثير من المدّعين للحبّ (٣). وهي أنَّ موافقة المحبوب في مراده ليس المعنيُّ بها مرادَه الخَلقي الكوني، فإنَّ كلَّ الكون مراده، وكلَّ ما يفعله الخلائق فهو موجَب مشيئته وإرادته الكونية. فلو كانت موافقته في هذا المراد هي محبته لم يكن له عدوّ أصلًا، وكانت الشياطين والكفَّار والمشركون عبَّاد الأوثان والشمس والقمر أولياءَه وأحبابه، تعالى (٤) عن ذلك علوًّا كبيرًا.

وإنَّما يظنّ ذلك من يظنّه من أعدائه الجاحدين لإلهيته (٥) ودينه،


(١) "ط": "وقال مالك".
(٢) هكذا قرأتُ، ويحتمل: "لرحل". وفي "ف، ب": "لرحل غرضه". وفي "ك": الرحل عوضه". وفي "ط": "ترحّل عوضه".
(٣) "ك، ط": "للمحبة".
(٤) "ب": "تعالى اللَّه".
(٥) "ك، ط": "لمحبته".