للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لوازم الزهدِ لم يكن فيها نقص ولا علَّة، فإنَّها من لوازم الطبيعة وأحكام الجبلة، وهي كالجوع والعطش والألم والتعب. فحبسُ النفس عن إجابة دواعيها إيثارًا للَّه ومرضاته عليها (١) لا يكون نقصًا ولا مستلزمًا لنقص.

[مسألة شريفة] (٢)

وقد اختلف أرباب السلوك وأهل الطريق (٣) هنا في هذه المسألة، وهي أيّهما أفضل: مَن له داعية وشهوة، وهو يحبسها (٤) للَّه، ولا يطيعها حبًّا له وحياءً منه وخوفًا. أو من لا داعية له تنازعه، بل نفسه خالية من تلك الدواعي والشهوة، قد اطمأنَّت إلى ربِّها واشتغلت به عن غيره، وامتلأت بحبه وإرادته، فليس فيها موضع لإرادة غيره ولا حبّه؟

فرجَّحت طائفة الأولَ، وقالت: هذا يدلُّ على قوَّة تعلّقه وشدَّة محبّته، فهو يُعاصي دواعي الطبع والشهوة، ويقهرها سلطانُ (٥) محبّته وإرادته وخوفه من اللَّه. وهذا يدلّ على تمكّنه من نفسه، وتمكّن حاله مع اللَّه (٦)، وغلبة داعي الحق عنده على داعي الطبع والنفس.

قالوا: وأيضًا فله مزيد في حاله وإيمانه بهذا الإيثار والترك مع حضور داعي الفعل عنده، ومزيد مجاهدة عدوّه الباطن ونفسه وهواه، كما يكون له مزيد مجاهدة عدوّه الظاهر.


(١) "فحبس النفس. . . " إلى هنا ساقط من "ب".
(٢) هذا العنوان من حاشية "ب".
(٣) "وأهل الطريق" ساقط من "ط"، ومستدرك في حاشية "ك" بخط مختلف.
(٤) في "ط": "يحبسهما. . . يطيعهما" بضمير التثنية.
(٥) "ط": "بسلطان".
(٦) "ب": "مع حاله"، خطأ.