للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: والذوق والوجد يشهد (١) بمزيده (٢) من الحبّ والأنس والسرور والفرح بربِّه عند إيثاره علي دواعي الهوى والنفس، والمطمئنُّ الذي ليس فيه هذا الداعي (٣) ليس له مزيد من هذه الجهة. وإن كان مزيده من جهة أخرى، فهي مشتركة بينهما، ويختصّ هذا بمزيده من الإيثار والمجاهدة.

قالوا: وأيضًا فهذا مبتلًى بهذه الدواعي والإرادات، وذلك معافًى منها. وقد جرت سنَّة اللَّهِ في المؤمنين من عباده أن يبتليهم على حسب إيمانهم، فمن ازداد إيمانُه زيد في بلائه، كما ثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "يبتلى المرءُ على حسب دينه، فإنْ كان في دينه صلابة شُدِّدَ عليه البلاء، وإنْ كان في دينه رقَّة خفِّف عنه البلاءُ" (٤) والمراد بالدين هنا: الإيمان الذي يثبت عند نوازل البلاءِ، فإنَّ المؤمن يبتلى على قدر ما يحمله إيمانه من وارد البلاءِ.

قالوا: فالبلاءُ بمخالفة دواعي النفس والطبع من أشدّ البلاءِ، فإنَّه لا يصبر عليه إلا الصدِّيقون. وأمَّا البلاءُ الذي يجري على العبد بغير اختياره كالمرض والجوع والعطش ونحوها، فالصبر عليه لا يتوقّف على الإيمان، بل يصبر عليه البرّ والفاجر، ولا سيّما إذا علم أنَّه لا معوّل له


(١) "ب": "يشهدان"، وما في الأصل وغيره صواب في العربية.
(٢) "ك، ط": "لمزيده".
(٣) "ليس فيه هذا الداعي" ساقط من "ب".
(٤) أخرجه الطيالسي (٢١٥)، وأحمد (١٤٨١)، وابن حبان (٢٩٢١)، والحاكم (١/ ٩٩) (١٢٠، ١٢١)، والترمذي (٢٣٩٨) وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، وابن ماجه (٤٠٢٣) من حديث سعد بن أبي وقاص، والحديث صححه ابن حبان والحاكم. (ز).