للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا الشر الثاني، وهو الشر الوجودي -كالعقائد الباطلة والإرادات الفاسدة- فهو من لوازم ذلك العدم. فإنَّه متى عُدِمَ العلم (١) النافع والعمل الصالح من النفس لزم أن يخلفه الشرُّ والجهلُ وموجبُهما، ولا بدَّ، لأنَّ النفس لا بدَّ لها من أحد الضدين، فإذا لم تشتغل بالضد النافع الصالح اشتغلت بالضد الضار الفاسد.

وهذا الشرُّ الوجودي هو من خلقه تعالى، إذ لا خالق سواه، وهو خالق كل شيء، لكن كلُّ ما خلقه اللَّه فلا بد أن يكون له في خلقه حكمةٌ لأجلها خلَقَه، فلو لم يخلقه فاتت تلك الحكمة.

وليس في الحكمة تفويتُ هذه الحكمة التي هي أحبُّ إليه سبحانه من الخير الحاصل بعدمها، فإنَّ في وجودها من الحكمة (٢) والغايات التي يُحمد عليها سبحانه أضعافَ ما في عدمها من ذلك، ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنع. وليس في الحكمة تفويتُ هذه الحكمة العظيمة لأجل ما يحصل للنفس من الشر، مع ما حصل من الخيرات التي لم تكن تحصل بدون هذا الشر، ووجود الشيء (٣) لا يكون إلا مع وجود لوازمه وأنتفاءِ أضداده، فانتفاء لوازمه يكون ممتنعًا لغيره، وحينئذٍ فقد يكون هدي هذه النفوس الفاجرة وسعادتها (٤) مشروطًا بلوازم لم تحصل، أو بانتفاء أضدادٍ لم تنتفِ.

فإن قيل: فهلَّا حصلت تلك اللوازم وانتفت تلك الأضداد؟ فهذا هو


(١) "ك": "ذلك العلم".
(٢) "ن": "الحكم".
(٣) "ووجود الشيء" ساقط من "ف".
(٤) "ك، ط": "شهادتها، تحريف.