للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مستلزم (١) لعدمه. والنفس تطلب سببَ العدم، فتقول: لِمَ لَمْ يوجَد كذا؟ فيقال: لعدم كذا، فيضاف عدم المعلول (٢) إلى عدم علَّته، لا إضافة تأثير، ولكن إضافة استلزام وتعريف. وأمَّا التعليل بالمانع فلا يكون إلا مع قيام السبب إذا جعل المانع مقتضيًا للعدم، وأمَّا إذا أُريد قياس الدلالة فوجود المانع يستلزم عدمَ الحكم سواءٌ كان المقتضى موجودًا أو لم يكن.

والمقصود أنَّ ما عدمته النفس من كمالها فمنها، فإنَّها لا تقتضي إلا العدم، أي عدمُ استعداد نفسه (٣) وقوَّتَها هو السبب في عدم هذا الكمال. فإنَّه كما يكون أحد الوجودين سببًا للآخر، فكذلك أحد العدمين يكون سببًا لعدم الآخر. والموجود الحادث يضاف إلى السبب المقتضي لإيجاده، وأمَّا المعدوم فلا يحتاج استمراره على العدم إلى فاعل يُحدث العدم، بل يكفي في استمراره عدمُ مشيئة الفاعل المختار له. فما شاء اللَّه كان، وما لم يشأ لم يكن لانتفاء مشيئته، فانتفاءُ مشيئةِ كونه سببُ عدمه.

وهذا معنى قولهم: "عدمُ علَّة الوجود علَّةُ العدم". وبهذا الاعتبار الممكنُ القابلُ للوجود والعدم لا يترجَّح أحدُ طرفيه (٤) إلا بمرجِّح، فمرجِّح عدمه عدمُ مرجِّحه، ومعنى الترجيح والسببية ههنا الاستلزام لا التأثير، كما تقدم. فظهر استحالة إضافة هذا الشر إلى اللَّه عزَّ وجلَّ.


(١) في الأصل: "مستلزمة" ولعله سهو، وكذا في "ف، ك، ط"، والصواب ما أثبتنا من "ن"؛ لأنَّ الخبر للعدم لا للعلَّة.
(٢) "ط": " المعلوم"، تحريف.
(٣) "ط": "نفسها"، خطأ.
(٤) زاد في "ك، ط": "على الآخر".