للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكمالِ، لازم للكمال، ملزوم له.

وألطف من هذا الوجهِ أنَّ اللَّه سبحانه خلق عباده المؤمنين، وخلق كلَّ شيءٍ لأجلهم، كما قال تعالى (١) لصالحيهم وصفوتهم: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣)} [آل عمران/ ٣٣]، وقال تعالى لموسى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)} [طه/ ٤١]. واتّخذ منهم الخليلين، والخلَّة أعلى درجات المحبة، وقد جاءَ في بعض الآثار: يقول تعالى (٢): "ابنَ آدم خلقتُك لنفسي، وخلقتُ كلَّ شيءٍ لك، فبحقِّي عليك لا تشتغل بما خلقتُه لك عمَّا خلقتُك له" (٣).

وفي أثر آخر يقول تعالى: "ابنَ آدم، خلقتُك لنفسي، فلا تلعبْ، وتكفَّلتُ برزقك، فلا تتعَبْ. ابنَ آدمَ اطلبني تجدْني، فإن وجدتني وجدتَ كلَّ شيءٍ، وإنْ فُتُّكَ فاتك كل شيءٍ، وأنا أحبّ إليك من كلِّ شيءٍ" (٤).

فاللَّه سبحانه خلق عبادَه له، ولهذا اشترى منهم أنفسهم، وهذا عقدٌ لم يعقده مع خَلْقٍ غيرهم -فيما أخبر به على لسان رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- ليسلِّموا إليه النفوسَ التي خلقها له. وهذا الشِّرَى دليلٌ على أنَّها محبوبةٌ له


(١) أثبت في "ط" هنا قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان/ ٢٠]، وزاد: "وكرّمهم وفضلهم على كثيرٍ ممن خلق، فقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} إلى آخر الآية [الإسراء/ ٧٠]. ثمَّ أثبت "وقال" بين حاصرتين لتصحيح السياق.
(٢) "ب": ". . الآثار أنَّ اللَّه تعالى يقول".
(٣) ذكره المصنف في روضة المحبين (٤٣٢) وشيخ الإسلام في الفتاوى (١/ ٢٣) (ص). لم أقف عليه في مظانه، وذكره المناوي في فيض القدير (٢/ ٣٠٥) (ز).
(٤) تقدم في ص (٩٥).