للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصطفاةٌ عنده، مرضيّةٌ لديه. وقدرُ السلعة يُعْرَفُ بجلالة قدر مشتريها وبمقدار ثمنها. هذا إذا جُهِلَ قدرُها في نفسها، فإذا عُرِفَ قدرُ السلعة، وعُرِفَ مشتريها، وعرف الثمن المبذول فيها، عُلِمَ شأنُها ومرتبتُها في الوجود. فالسلعة أنت، واللَّه المشتري، والثمنُ جنَّتُه والنظرُ إلى وجهه وسماعُ كلامه في دار الأمن والسلام. واللَّه سبحانه لا يصطفي لنفسه إلا أعزَ الأشياءِ وأشرفها وأعظمها قيمةً. وإذا كان قد اختار العبدَ لنفسه، وارتضاه لمعرفته ومحبته، وبنى له دارًا في جواره وقربه، وجعل ملائكته خدَمه يسعون في مصالحه في يقظته ومنامه وحياته وموته؛ ثمَّ إنَّ العبد أبق عن سيِّده ومالكه ذاهبًا عنه (١)، معرضًا عن رضاه؛ ثمَّ لم يكفه ذلك حتى خامر عليه (٢)، وصالح عدوّه، ووالاه من دونه، وصارَ من جنده، مؤثرًا لمرضاته على مرضاة وليّه ومالكه = فقد باعَ نفسه -التي اشتراها منه إلهه ومالكه، وجعلَ ثمنها جنَّته والنظرَ إلى وجهه- من عدوِّه وأبغضِ خلقه إليه، واستبدل غضبَه برضاه، ولعنتَه برحمته ومحبّته. فأيّ مقت خلَّى هذا المخدوعُ عن نفسه لم يتعرّض له من ربِّه؟

قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (٥٠)} [الكهف/ ٥٠].

فتأمَّل ما تحت هذه المعاتبة وما في طيِّ هذا الخطاب من سوءِ حالِ (٣) هذا العبد، وما تعرّض له من المقتِ والخزي والهوان؛ ومن


(١) "ب": "واستمرّ ذاهبًا عنه". وهو ساقط من "ط".
(٢) فسّرناه آنفًا في ص (٥٢٤).
(٣) "حال" ساقط من "ك، ط".