للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استعطافِ ربِّه واستعتابه ودعائه إيَّاه إلى العود إلى وليِّه ومولاه الحقّ الذي هو أولى به. فإذا عادَ إليه وتابَ إليه فهو بمثابة من أسرَ له العدوُّ محبوبًا له (١)، واستولوا عليه، وحالوا بينه وبينه، فهرب منهم ذلك المحبوب، وجاءَ إلى محبّه اختيارًا وطوعًا حتَّى توسّد عتبةَ بابه، فخرج المحِبّ من بيته، فوجد محبوبه متوسّدًا عتبة بابه واضعًا خدَّه وذقنَه عليها، فكيف يكون فرحه به؟ وللَّه المثل الأعلى. ويكفي في هذا المثلُ الذي ضربه رسوله لمن (٢) فتح اللَّه عينَ قلبه، فأبصرَ ما في طيّه وما في ضمنه، وعلم أنَّه ليس كلام مجازفة (٣) ولا مبالغة ولا تخييل، بل كلامُ معصومٍ في منطقه وعلمه وقصده وعمله. كلُّ كلمةٍ منه في موضعها ومنزلتهًا ومقزها، لا يتعدّى بها عنه، ولا يقصّر بها.

والذي يزيد هذا المعنى تقريرًا أنّ محبّة الرّب لعبده سبقَتْ محبّةَ العبد له سبحانه، فإنّه لولا محبّةُ اللَّه له لما جعَل محبّتَه في قلبه. فلمّا أحبّه ألهمه (٤) حبَّه، وآثره به؛ فلمّا أحبّه العبدُ جازاه على تلك المحبّة محبّةً أعظمَ منها. فإنّه مَن تقرّب إليه شبرًا تقرّب إليه ذراعًا، ومن تقرّب إليه ذراعًا تقرّب إليه باعًا، ومن أتاه مشيًا أتاه هرولةً (٥). وهذا دليل على أنّ محبّة اللَّه لعبده الذي يحبّه فوق محبّة العبد له. فإذا (٦) تعرّض هذا


(١) كذا ورد "له" مرتين في الأصل وغيره.
(٢) "ب": "فمن".
(٣) "ط": "مجاز".
(٤) "ك، ط": " .. قلبه فإنَّه ألهمه".
(٥) كما في الصحيحين من حديث أنس رضي اللَّه عنه. انظر: صحيح البخاري، كتاب التوحيد (٧٤٠٥) وصحيح مسلم، كتاب التوبة (٢٦٧٥).
(٦) "ك، ط": "وإذا".