للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه التاسع: قوله: "والثاني: الصبر، وهو نوع سهولة تخفّف على المبتلى بعضَ الثقل، وتسهّل عليه صعوبةَ المراد، وهو الصبرُ للَّه، وهو صبرُ المريدين".

فقد تقدّم أن الصبر ثمرة التصبّر، وكلاهما إنّما يُحمَد إذا كان للَّه. وإنما يكون إذا كان باللَّه، فما لم يكن به لا يكون، وما لم يكن له لا ينفع ولا يثمر؛ فكلاهما لا يحصل للمريد السالك مقصودُه إلّا أن يكون باللَّه وللَّه. قال تعالى في الصبر به: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل/ ١٢٧]. وقال في الصبر له: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الطور/ ٤٨].

واختلف النَّاس أيّ الصبرَين أعلى وأفضل: الصبر له، أو به؟ فقالت طائفة منهم صاحبُ كتاب (١) منازل السائرين: "وأضعفُ الصبرِ الصبرُ للَّه، وهو صبر العامة. وفوقه الصبر باللَّه، وهو صبر المريد، وفوقهما الصبر على اللَّه، وهو صبر السالك" (٢).

ووجه هذا القول أنَّ الصبر للَّه (٣) هو صبر العابد الذي يُصبِّر نفسَه لأمر اللَّه طالبًا لمرضاته وثوابه، فهو صابر على العمل، صابر عن المحرمات. وأمَّا الصبر به فهو تبرّؤٌ من الحول والقوَّة، وإضافةُ ذلك إلى اللَّه عزَّ وجلّ وهو صبر المريد. وأمَّا الصبرُ على اللَّه فصبر السالك على ما تجيء به أقداره (٤) وأحكامه.

والصواب أنَّ الصبرَ للَّه أكملُ من الصبر به، فإنَّ الصبر له متعلّق


(١) "كتاب" ساقط من "ب، ك، ط".
(٢) انظر: منازل السائرين (٣٩)، ومدارج السالكين (٢/ ١٩٩).
(٣) "وهو صبر المريد. . . " إلى هنا ساقط من: "ط".
(٤) "ط": "يجيء به متعلق أقداره".