للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحب المقلق، فحبيبُه آخرُ خطراته عند منامه، وأوّلُها عند استيقاظه، كما قال بعض المحبّين لمحبوبته (١):

أآخرُ شيءٍ أنتِ في كلِّ هَجْعةٍ ... وأوَّلُ شيءٍ أنتِ عندَ هُبوبي؟ (٢)

فقد أفصح هذا المحبُّ عن حقيقة المحبّة وشروطها. فإذا كان هذا في محبّة مخلوقٍ، فما الظنّ بمحبّة (٣) المحبوب الأعلى؟ فأُفِّ لِقلبٍ لا يصلح لهذا ولا يصدّق به، لقد صُرِفَ عنه خيرُ الدنيا والآخرة!

فصل

فإذا استيقظ أحدهم، وقد بدر إلى قلبه هذا الشأن، فأوَّلُ ما يجري على لسانه ذكرُ محبوبه، والتوجّه إليه، واستعطافه، والتملق بين يديه، والاستعانة به أن يخلّي بينه وبين نفسه، وأن لا يكِلَه إليها، فيكلَه إلى ضَيْعةٍ (٤) وعجز وذنب وخطيئة، بل يكلأَه كلاءَة الوليد الذي لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.

فأوَّل ما يبدأ به قول (٥): "الحمد للَّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشورُ" (٦)، متدبِّرَا لمعناها من ذكرِ نعمةِ اللَّه عليه بأن أحياه بعد نومه


(١) "ب، ك، ط": "لمحبوبه".
(٢) ذكره المؤلف في روضة المحبّين (٣٨٧). وهو من بيتين في حماسة أبي تمام (٢/ ٧٥). وقد نسبا في بلاغات النساء (١١٩) وذيل الأمالي (٧٠) إلى امرأة. وأنشده الراغب في محاضراته (٢/ ٥٥) لعليّ بن الجهم.
(٣) "ك، ط": "في محبة".
(٤) "ك، ط": "ضعة"، تحريف.
(٥) "قول" ساقط من "ب، ك، ط".
(٦) أخرجه البخاري في الدعوات (٦٣١٢) من حديث حذيفة رضي اللَّه عنه.