للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القبض".

ثمَّ ذكر حكاية المضروب الذي ضُرِب مائةَ سوط فلم يتألّم لأجب نظرِ محبوبه إليه، ثمَّ ضُرِبَ سوطًا، فصاحَ لمَّا توارى عنه محبوبُه. قال: "وقد قيل في قوله تعالى: {وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الشورى/ ٢٦]: دليلُ خطابه أنَّ المؤمنين لهم عذاب، ولكن ليس بشديد. وإنَّما كان عذاب الكافرين شديدًا لأنّهم لا يشاهدون المعذِّب لهم. والعذابُ على شهود المعذِّب عَذْبٌ، والثوابُ على الغفلة من المعطي صَعْبٌ. فالخوفُ إذًا من منازل العوامّ" (١).

والكلام على ما ذكره من وجوه:

أحدها: أنَّ الخوف أحد أركان الإيمان والإحسان الثلاثة التي عليها مدار مقامات السالكين جميعها، وهي: الخوف، والرجاءُ، والمحبَّة. وقد ذكره سبحانه في قوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (٥٦) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء/ ٥٦ - ٥٧]. فجمع بين المقامات الثلاثة، فإنَّ ابتغاءَ الوسيلة إليه هو التقرّب إليه بحبّه وفعلِ ما يحبّه. ثمَّ قال (٢): {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}، فذكر الحبّ، والخوف، والرجاءَ. والمعنى أنَّ هؤلاء (٣) الذين تدعونهم من دون اللَّه من الملائكة والأنبياء والصالحين يتقرّبون إلى ربّهم ويخافونه ويرجونه، فهم عبيده، كما أنكم عبيده، فلماذا تعبدونهم من دونه،


(١) محاسن المجالس (٨٣ - ٨٤).
(٢) "ط": "يقول".
(٣) "هؤلاء" ساقط من "ط".